خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
١٢
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم سيغلبون ويحشرون بالياء فيهما والباقون بالتاء.
الحجة: من اختار التاء فلقولـه له قد كان لكم آية فأجرى الجميع على الخطاب ومن اختار الياء فللتصرف في الكلام والانتقال من خطاب المواجهة إلى الخبر بلفظ الغائب ويؤيّده قولـه
{ { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لـهم ما قد سلف } [الأنفال: 38] { قل للذين آمنوا يغفروا } [الجاثية: 14] وقيل إن الخطاب لليهود والضمير في ستغلبون للمشركين لأن اليهود أظهروا السرور بما كان من المشركين يوم أحد فعلى هذا لا يكون إلا بالياء لأن المشركين غُيَّب.
اللغة: الحشر الجمع مع سوق ومنه يقال للنبي الحاشر لأنه يحشر الناس على قدميه كأنه يقدمهم وهم خلفه لأنه آخر الأنبياء فيحشر الناس في زمانه وملته وجهنم اسم من أسماء النار وقيل أخذ من الجهنام وهي البئر البعيدة القعر والمهاد القرار وهي الموضع الذي يتمهد فيه أي ينام فيه مثل الفراش.
النزول: روى محمد بن إسحاق بن يسار عن رجالـه قال:
"لما أصاب رسول الله قريشاً ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال: يا معشر اليهود إحذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم وقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم" فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لـهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله هذه الآية وروي أيضاً عن عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس ورواه أصحابنا أيضاً وقيل نزلت في مشركي مكة ستغلبون يوم بدر عن مقاتل وقيل بل نزلت في اليهود لما قتل الكفار ببدر وهزموا قالت اليهود: إنه النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعمته وصفته وأنه لا تُردّ لـه راية، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة أخرى فلما كان يوم أحد ونكَّب أصحاب رسول الله شَكوُّا وقالوا لا والله ما هو به فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وقد كان بينهم وبين رسول الله عهد إلى مدة لم تنقض فنقضوا ذلك العهد قبل أجلـه وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة في ستين راكباً فوافقوهم وأجمعوا أمرهم على رسول الله لتكونن كلمتنا واحدة ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله فيهم هذه الآية عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
المعنى: لما تقدم ذكر ما أصاب القرون الخالية بالتكذيب للرسل من العذاب حذر هؤلاء من أن يَحُلّ بهم ما حلّ بأولئك فقال تعالى { قل للذين كفروا } إما مشركي مكة أو اليهود على ما تقدم ذكره { ستغلبون } أي ستهزمون وتصيرون مغلوبين في الدنيا { وتحشرون } أي تجمعون { إلى جهنم } في الآخرة وقد فعل الله ذلك فاليهود غُلبوا بوضع الجزية عليهم والمشركون غُلبوا بالسيف. وإذا قرئ سيغلبون بالياء فقد يمكن أن يكون المغلبون المحشرون من غير المخاطبين وأنهم قوم آخرون ويمكن أن يكونوا إياهم قال الفراء يقال قل لعبد الله إنه قائم وإنك قائم وإذا قرئ بالتاء فلا يجوز أن يظن هذا فلا يكونون غير المخاطبين { وبئس المهاد } أي بئس ما مُهّد لكم وبئس ما مهدّتم لأنفسكم عن ابن عباس، وقيل معناه بئس القرار عن الحسن، وقيل بئس الفراش الممهّد لـهم وفي الآية على صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم لأن مخبره قد خرج على وفق خبره فدل ذلك على صدقه ولا يكون ذلك على وجه الاتفاق لأنه بيَّن أخباراً كثيرة من الاستقبال فخرج الجميع كما قال فكما أن كل واحد منها كان معجزاً إذ الله لا يطلع على غيبه إلا من ارتضى من رسول كذلك هذه الآية وإذا ثبت صدقه على أحد الخبرين وهو أنهم سيغلبون ثبت صدقه في الخبر الآخر وهو أنهم يحشرون إلى جهنم.