خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ
١٩٥
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة والكسائي وخلف وقتلوا وقاتلوا بتقديم الفعل المبني للمفعول به على الفعل المبني للفاعل والتخفيف وقرأ الباقون بتقديم قاتلوا على قتلوا، وشددّ التاء من قتلوا ابن كثير وابن عامر.
الحجة: أمّا تقديم قاتلوا على قُتِلوا فلأن القتال قبل القتل وحسن التشديد لتكرر الفعل فهو مثل مفتحة لـهم الأبواب ومن خفف قتلوا فلأن فُعِلوا يقع على الكثير والقليل والتشديد يختص بالكثير وأمّا تقديم قُتِلوا على قاتلوا فلأن المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولاً في المعنى وإن كان مؤخراً في اللفظ ويمكن أن الوجه فيه أن يكون لما قُتِل منهم قاتلوا ولم يهِنوا ولم يضعفوا للقتل الذي وقع بهم كقولـه
{ { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله } [آل عمران: 146].
اللغة: الإضاعة الإهلاك ضاع الشيء يضيع ضياعاً إذا هلك وأضاع وضيّع بمعنى ومنه الضيعة للقرية وأما قولـهم كل رجل وضيعته فإن الضيعة ها هنا بمعنى الخرقة هاجَرَ فاعَلَ من الـهجر وهو ضد الوصل يقال هاجر القوم من دار إلى دار أي تركوا الأولى للثانية وتهجر الرجل أي تشبه بالمهاجرين.
الإعراب: مِن في قولـه مِن ذكر أو أنثى للتبيين والتفسير عن قولـه منكم أي لا أضيع عمل عامل منكم من الذكور والإناث فهو بيان لجنس من أضيف إليه العمل ويقال إنها مؤكدة بمعنى النفي في لا أضيع أي لا أضيع عمل ذكر وأنثى منكم وبعضكم مبتدأ وقولـه { من بعض } في موضع رفع بأنه خبره وثواباً مصدر مؤكد لأن معنى ولأدخلنهم جنات ولأثيبنهم ومثلـه قولـه { كتاب الله عليكم } لأن معنى قولـه
{ حرمت عليكم أمهاتكم } [النساء: 23] كتب الله عليكم هذا فكتاب الله مصدر مؤكد.
النزول: روي أنّ أم سلمة قالت يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون في الـهجرة دون النساء فأنزل الله هذه الآية قال البلخي نزلت الآية وما قبلـها في المتبعين للنبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه ثم هي في جميع من سلك سبلـهم وحذا حذوهم من المسلمين.
المعنى: ثُمَّ عَقّبَ سبحانه دعوة المؤمنين بذكر الإجابة فقال { فاستجاب لـهم ربهم } أي أجاب المؤمنين الذين تقدم الخبر عنهم { إني لا أضيع } أي بأني لا أُبْطِلُ { عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } رجل أو امرأة { بعضكم من بعض } في النصرة والدين والموالاة فحكمي في جميعكم حكم واحد فلا أضيع عمل واحد منكم لاتفاقكم في صفة الإيمان وهذا يتضمن الحث على مواظبة الأدعية التي في الآيات المتقدمة والإشارة إلى أنها مما تعبد الله تعالى بها وندب إليها وذلك لأنه تضمن الإجابة لمن دعا بها.
{ فالذين هاجروا } إلى المدينة وفارقوا قومهم من أهل الكفر { وأخرجوا من ديارهم } أخرجهم المشركون من مكة { وأوذوا في سبيلي } أي في طاعتي وعبادتي وديني وذلك هو سبيل الله فتحملوا الأذى لأجل الدين { وقاتلوا } في سبيل الله { وقتلوا } فيها { لأكفرن عنهم سيئاتهم } يعني لأمحوّنها ولأتفضلن عليهم بعفوي ومغفرتي ورحمتي وهذا يدل على أن إسقاط العقاب تفضل من الله { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار } أي من تحت أبنيتها وأشجارها { ثواباً } أي جزاء لـهم { من عند الله } على أعمالـهم { والله عنده حسن الثواب } أي عنده من حسن الجزاء على الأعمال ما لا يبلغه وصفُ واصفٍ ولا يدركه نعت ناعتٍ مما لا رأت عين ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقيل حسن الثواب في دوامه وسلامته عن كل شوب من النقصان والتكدير.