خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ
٨١
فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٨٢
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة وحده لِما آتيتكم بكسر اللام والباقون بفتحها وقرأ نافع آتيناكم على الجمع والباقون آتيتكم على التوحيد.
الحجة: الوجه في قراءة حمزة لما آتيتكم بكسر اللام أنه يتعلق بالأخذ كأن المعنى أخذ ميثاقهم لـهذا ويكون ما على هذا موصولة والعائد إلى الموصول من الجملة المعطوفة على صلته وهي قولـه جاءكم رسول مصدق لما معكم مظهر بمنزلة المضمر وهي قولـه ما معكم لأنه بمنزلة ما أوتوه من الكتاب والحكمة فهذا يكون مثل قولـه
{ { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } [يوسف: 90] لأنه في معنى لا يضيع أجرهم ويجوز أن يكون ما على هذه القراءة حرفاً فيكون بمعنى المصدر.
قال أبو علي: ومن فتح اللام فقال لما آتيتكم فإن ما فيه يحتمل تأويلين أحدهما: أن يكون موصولة والآخر: أن يكون للجزاء فمن قدر ما موصولة فالقول فيما يقتضيه قولـه { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم } من الراجع إلى الموصول ما تقدم ذكره في قراءة حمزة وأما الراجع إلى الموصول من الجملة الأولى فالضمير المحذوف من الصلة تقديره لما آتيتكموه واللام في لما فيمن قدر ما موصولة لام ابتداء وهي المتلقية لما أجري مجرى القسم من قولـه { وإذ أخذ الله ميثاق النبين } وموضع ما رفع بالابتداء والخبر لتؤمنن به ولتؤمنن متعلق بقسم محذوف والمعنى والله لتؤمنن به والذكر الذي في به يعود إلى الذي آتيتكموه الذي هو المبتدأ ونحوه قولك لَعَبْدُ الله والله لتأتينه والذكر الذي في لتنصرنه يعود إلى رسول الله المتقدم ذكره وإذا قدرت ما للجزاء كانت ما في موضع نصب بآتيتكم وآتيتكم في موضع جزم بالشرط وجاءكم في موضع جزم بالعطف على آتيتكم واللام الداخلة على { ما } لا يكون المتلقية للقسم ولكن يكون بمنزلة اللام في لئن لم ينته المنافقون والمتلقية قولُـه { لتؤمنن به } كما أنها في قولـه:
{ { لئن لم ينته المنافقون } [الأحزاب: 60] قولُـه { لَنغرينك بهم } [الأحزاب: 60] وهذه اللام الداخلة على أن لا يعتمد القسم عليها فلذلك جاز حذفها تارة وإثباتها تارة كما قال { وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا } } [المائدة: 73] فيلحق هذه اللام إنْ مرة ولا تلحق أخرى كما أنّ أن كذلك في قولـه والله أن لو فعلت لفعلت ووالله لو فعلت لفعلت.
المعنى: لمّا تقدّم ذكر النبيين عقبه سبحانه بذكر نبينا وما أخذ من عهده عليهم أجمعين فقال { وإذ أخذ الله ميثاق النبين } العامل في إذ محذوف وتقديره وإذكر إذ أخذ الله وقيل هو عطف على ما تقدم من قولـه { وإذ قالت الملائكة } وروي عن أمير المؤمنين (ع) وابن عباس وقتادة أن الله أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم أن يخبروا أممهم بمبعثه ونفعته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه وقال طاووس: أخذ الله الميثاق على الأنبياء (ع) على الأول والآخر فأخذ الله ميثاق الأول لتأمنن بما جاء به الآخر. وقال الصادق: تقديره وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيين بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به وأنهم خالفوهم فيما بعد وما وفوا به وتركوا كثيراً من شريعته وحرفوا كثيراً منها.
وقولـه { لما آتيتكم } بفتح اللام إذا كانت ما موصولة فتقديره للذي آتيتكموه أي أعطيتكموه { من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول } أي نبي وقيل يعني محمد صلى الله عليه وسلم { مصدق لما معكم } أي لما آتيتكم من الكتب { لتؤمنن به } أي لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه أو يريد لتؤمنن بالذي آتيتكموه ولتنصرن الرسول وعلى هذا يكون المعنى أنه إنما أخذ الميثاق على الأنبياء ليصدق بعضهم بعضاً ويأمر بعضهم بالإيمان ببعض ويكون النصرة بالتصديق والحجة وهو المروي عن الحسن وسعيد بن جبير وطاووس وإذا كانت ما للجزاء فتقديره أي شيء آتيتكم ومهما آتيتكم من كتاب لتؤمنن فالشرط إيتاؤه إياهم الكتاب والحكمة ومجيء الرسول والجزاء القسم والمقسم عليه وهو قولـه لتؤمنن به فأغنى جواب القسم عن الجزاء كقولـه
{ { لئن أشركت ليحبطن عملك } [الزمر: 65].
وقولـه { من كتاب } من هذه لتبيين لما نحو قولك ما عندك من ورق وعين وهذا خاتم من فضة ويكون على هذا تقديره أن الله تعالى قال لـهم مهما أوتيكم كتاباً وحكمة ثم يجيئكم به رسول مصدق لما معكم من ذلك الكتاب والحكمة والله لتؤمنن به ولتنصرنه فأقروا بذلك وأعطوا عليه مواثيقهم وهذا أشبه بما ذكر أن الميثاق أخذ على الأنبياء ليأخذوا على أممهم بتصديق محمد إذا بعث ويأمروهم بنصرته على أعدائه إن أدركوه وهو المروي عن علي وابن عباس وقتادة والسدي واختاره أبو علي الجبائي وأبو مسلم. ويكون معنى قولـه { جاءكم } جاء أممكم وأتباعكم وإنما خرج الكلام على النبيين لأن ما لزمهم لزم أممهم ومن قرأ لِما آتيتكم بكسر اللام فالمعنى أخذ الله ميثاقهم لما أتوه أي لأجل ما أوتوه من الكتاب والحكمة ولأنهم الأفاضل وخيار الناس ويكون اللام للتعليل فيقتضي أن يكون الإيتاء سابقاً لأخذ الميثاق وقولـه لتؤمنن متعلق بأخذ الميثاق وهو في الحاصل راجع إلى معنى الشرط والجزاء.
وقولـه { ولتنصرنه } أي البشارة للأمم به قال أي قال الله لأنبيائه { أأقررتم } به وصدقتموه { وأخذتم على ذلك إصري } معناه وقبلتم على ذلكم عهدي ونظيره فإن أوتيتم هذا فخذوه وقيل معناه وأخذتم العهد بذلك على أممكم { قالوا } أي قال الأنبياء وأممهم { أقررنا } بما أمرتنا بالإقرار به { قال } الله { فاشهدوا } بذلك على أممكم { وأنا معكم من الشاهدين } عليكم وعلى أممكم عن علي، وقيل فاشهدوا أي فاعلموا ذلك أنا معكم أعلم عن ابن عباس، وقيل معناه ليشهد بعضكم على بعض، وقيل قال الله للملائكة اشهدوا عليهم فيكون ذلك كناية عن غير مذكور عن سعيد بن المسيب، وهذه الآية من مشكلات آيات القرآن وقد غاص النحويون في وجوه إعرابها وتحقيقها وشقوا الشعر في تدقيقها ولا تراها في موضع أوجز لفظاً وأكثر فائدة وأشد تهذيباً مما ذكرته هنا وبالله التوفيق.
{ فمن تولى بعد ذلك } أي فمن أعرض عن الإيمان بمحمد بعد هذه الدلالات والحجج وبعد أخذ الميثاق على النبيين الذين سبق ذكرهم والمقصود بهذه الأمم دون النبيين لأنه قد مضى أزمانهم وجاز ذلك لأن أخذ الميثاق على النبيين يتضمن الأخذ على أممهم وقد روي عن علي (ع) أنه قال: لم يبعث الله نبياً آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره بأن يأخذ العهد بذلك على قومه { فأولئك هم الفاسقون } ولم يقل الكافرون لأن المراد الخارجون في الكفر إلى أفحش مراتب الكفر بتمردهم وذلك أن أصل الفسق الخروج عن أمر الله إلى حال توبقه وفي الكفر ما هو أكبر كما أن فيما دون الكفر من المعاصي ما هو أكبر وما هو أصغر بالإضافة إليه.