خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
٥١
وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
٥٢
وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
٥٣
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ
٥٤
-سبأ

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة غير عاصم التناؤش بالمد والهمز والباقون بغير مد ولا همز.
الحجة: التناوش التناول من قولهم نشت أنوش قال الشاعر:

فَهْيَ تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشاً مِنْ عَلا نَــوْشاً بِــهِ تَقْطَعُ أَجْـوازَ الفَــلا

فمن لم يهمز جعله تفاعلاً منه ومن همز احتمل أمرين:
أحدهما: أنه أبدل من الواو والهمز لانضمامها مثل أُقتت وادؤر ونحو ذلك.
والآخر: يكون من النأش وهو الطلب قال رؤبة:

أَقحَمَني جارُ أَبِي الخامُوشِ إِلَيْــكَ نَأْشَ القِــدْرِ المَنْؤُوشِ

والنأش الحركة في الإبطاء قال الشاعر:

تَمَنّى نَئِيشاً أَنْ يَكُونَ أَطاعَني وَقَـــدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأُمُورِ أُمُورُ

أي تمنّى مدة مديدة فنصب نئيشاً على الظرف.
المعنى: ثم قال سبحانه { ولو ترى } يا محمد { إذ فزعوا } أي عند البعث { فلا فوت } أي فلا يفوتني منهم أحد ولا ينجو مني ظالم { وأخذوا من مكان قريب } يعني القبور وحيث كانوا فهم من الله قريب لا يفوتونه وجواب لو محذوف ويدل الكلام عليه والتقدير لرأيت أمراً عظيماً. وقيل: إذ فزعوا في الدنيا حين رأوا بأس الله عند معاينة الملائكة لقبض أرواحهم عن قتادة. وقيل: هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم فلم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة عن الضحاك والسدي وقال أبو حمزة الثمالي: سمعت علي بن الحسين (ع) والحسن بن الحسن بن علي (ع) هم يقولان هو جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم.
قال: وحدّثني عمرو بن مرة وحمران بن أعين أنهما سمعا مهاجراً المكي يقول: سمعت أم سلمة تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يعوذ عائذ بالبيت فيبعث الله إليه جيشاً حتى إذا كانوا بالبيداء بيداء المدينة خسف بهم" وروي عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب قال: فبينا هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فور ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق وآخر إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة يعني بغداد فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فيخرج راية هدى من الكوفة فيلحق ذلك الجيش فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم.
ويحل الجيش الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام بلياليها ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبرائيل فيقول يا جبرائيل اذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم عندها ولا يفلت منهم إلا رجلان من جهينة فلذلك جاء القول:

وَعِندَ جُهَيْنَةَ الخَبَرُ اليَقينُ

فذلك قوله { ولو ترى إذ فزعوا } إلى آخره أورده الثعلبي في تفسيره وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي عبد الله (ع) وأبي جعفر (ع) مثله.
{ وقالوا } أي ويقولون في ذلك الوقت وهو يوم القيامة أو عند رؤية البأس أو عند الخسف في حديث السفياني { آمنا به وأنى لهم التناوش } أي ومن أين لهم الانتفاع بهذا الإيمان الذي الجئوا إليه بيَّن سبحانه أنهم لا ينالون به نفعاً كما لا ينال أحد التناوش { من مكان بعيد }. وقيل: معناه أنهم طلبوا المردّ إلى الدنيا فالمراد أنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال ولم يرد بعد المكان وإنما أراد بعد انتفاعهم بذلك وبعدهم عن الصواب.
{ وقد كفروا به من قبل } المعنى وكيف تقبل توبتهم أو يردّون إلى الدنيا وقد كفروا بالله من قبل ذلك { ويقذفون بالغيب من مكان بعيد } أي ويرجمون بالظن فيقولون لا جنَّة ولا نار ولا بعث وهذا أبعد ما يكون من الظن عن قتادة. وقيل: معناه يرمون محمداً صلى الله عليه وسلم بالظنون من غير يقين وذلك قولهم هو ساحر وهو شاعر وهو مجنون وجعله قذفاً لخروجه في غير حقّ. وقيل: معناه ويبعدون أمر الآخرة فيقولون لأتباعهم هيهات هيهات لما توعدون وذلك كالشيء يرى في موضع بعيد المرمى.
{ وحيل بينهم وبين ما يشتهون } أي وفرّق بينهم وبين مشتهياتهم بالموت الذي حلَّ بهم كما حلَّ بأمثالهم عن أبي مسلم. وقيل: مشتهاهم هو التوبة والإيمان أو الردّ إلى الدنيا وقد منعوا منه. وقيل: هو نعيم الجنة عن الجبائي. وقيل: معناه منعوا من كل مشتهى فيلحق الله تعالى فيهم النفار فلا يدركون شيئاً إلا ويتألّمون به.
{ كما فعل } مثل ذلك { بأشياعهم من قبل } أي بأمثالهم من الكفار. وقيل: معناه بموافقيهم وأهل دينهم من الأمم الماضية حين لم تقبل منهم التوبة وقت رؤية البأس والعذاب قال الضحاك المراد بذلك أصحاب الفيل حين أرادوا خراب الكعبة { إنهم كانوا في شك } من البعث والنشور. وقيل: في شك من وقوع العذاب بهم { مريب } أي مشكّك كما قالوا عجب عجيب.