خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً
٤١
وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً
٤٢
ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً
٤٣
أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً
٤٤
وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً
٤٥
-فاطر

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة وحده ومكر السيىء بسكون الهمزة والباقون بالجر.
الحجة: قال الزجاج: تسكين هذه الهمزة لحن عند البصريين وإنما يجوز في الشعر في الاضطرار أنشدوا:

إذَا أعْوَجَجْنَ قُلْتُ صاحِبْ قَوِّمِ

والأصل يا صاحب قوِّم لكنّه حذف مضطراً وأنشدوا:

فَالْيَوْمَ أَشْرَبُ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ إثْمـــاً مِـــنْ اللهِ وَلا واغِــلِ

وأنشد أبو العباس المبرد:

إذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صاحِ قَوِّم

وقال أبو علي في إسكان الهمزة أجراها في الوصل مجراها في الوقف فهو مثل قوله:

بِبازِلٍ وَجْناءَ أوْ عَيْهَلِّ

وقوله:

مِثْلُ الْحَرِيقِ وافَقَ القَصَبَا

الإِعراب: { أن تزولا } مفعول له أي كراهة أن تزولا أو لئلا تزولا واستكباراً مفعول له أيضاً ومكر السيىء معطوف عليه ويجوز أن يكون مصدراً على تقدير استكبروا استكباراً في الأرض وأن يكون حالاً أيضاً أي مستكبرين في الأرض وأن يكون بدلاً من نفوراً أي ما زادهم مجيء النذير إلا استكباراً في الأرض من شيء فاعل يعجز ومن مزيدة ومن دابّة في محل نصب لأنه مفعول ترك ومن مزيدة أيضاً.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن عظم قدرته وسعه مملكته فقال { إن الله يمسك السماوات والأرض } معناه أنه يمسك السماوات من غير علاقة فوقها ولا عماد تحتها ويمسك الأرض كذلك { أن تزولا } أي لئلا تزولا { ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد } أي وإن قدر أن تزولا عن مراكزهما ما أمسكهما أحد ولا يقدر على إمساكهما أحد { من بعده } أي من بعد الله تعالى. وقيل: من بعد زوالهما { إنه كان حليماً } أي قادراً لا يعاجل بالعقوبة من استحقّها { غفوراً } أي ستّاراً للذنوب كثير الغفران.
ثم حكى عن الكفار فقال { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } يعني كفار مكة حلفوا بالله قبل أن يأتيهم محمد صلى الله عليه وسلم بأيمان غليظة غاية وسعهم وطاقاتهم { لئن جاءهم نذير } أي رسول مخوّف من جهة الله تعالى { ليكونن أهدى } إلى قبول قوله واتباعه { من إحدى الأمم } الماضية يعني اليهود والنصارى والصابئين { فلما جاءهم نذير } محمد صلى الله عليه وسلم { ما زادهم } مجيئه { إلا نفوراً } أي تباعداً عن الهدى وهرباً من الحق والمعنى أنهم ازدادوا عند مجيئه نفوراً.
{ استكباراً } أي تكبّراً وتجبّراً وعتوّاً على الله وأنفة من أن يكونوا تبعاً لغيرهم { في الأرض ومكر السيىء } أي وقصد الضرر بالمؤمنين والمكر السيىء كل مكر أصله الكذب والخديعة وكان تأسيسه على فساد لأن من المكر ما هو حسن وهو مكر المؤمنين بالكافرين إذا حاربوهم من الوجه الذي يحسن أن يمكروا بهم فالمراد به ها هنا المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأهل دينه وأضيف المصدر إلى صفة المصدر فالتقدير ومكروا المكر السيىء بدلالة قوله.
{ ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله } والمعنى لا ينزل جزاء المكر السيىء إلا بمن فعله { فهل ينظرون إلا سنة الأولين } أي فهل ينتظرون إلاّ عادة الله تعالى في الأمم الماضية أن يهلكهم إذا كذَّبوا رسله وينزل بهم العذاب ويحلّ عليهم النقمة جزاء على كفرهم وتكذيبهم فإن كانوا ينتظرون ذلك { فلن تجد } يا محمد { لسنة الله تبديلاً } أي لا يغيّر الله عادته من عقوبة من كفر نعمته وجحد ربوبيته ولا يبدّلها { ولن تجد لسنة الله تحويلا } فالتبديل تصيير الشيء مكان غيره والتحويل تصيير الشيء في غير المكان الذي كان فيه والتغيير تصيير الشيء على خلاف ما كان { أو لم يسيروا في الأرض } أي ألم يسر هؤلاء { الكفار } الذين أنكروا إهلاك الله الأمم الماضية في الأرض { فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } أي كيف أهلك الله المكذبين من قبلهم مثل قوم لوط وعاد وثمود فيعتبروا بهم { وكانوا } وكان أولئك { أشدّ منهم } أي من هؤلاء { قوة وما كان الله ليعجزه من شيء } أي لم يكن الله يفوته شيء { في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً } بجميع الأشياء { قديراً } على ما لا نهاية له.
ثم منَّ سبحانه على خلقه بتأخره العقاب عنهم فقال { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا } من الشرك والتكذيب لعجَّل لهم العقوبة وهو قوله { ما ترك على ظهرها من دابة } والضمير عائد إلى الأرض وإن لم يجر لها ذكر لدلالة الكلام على ذلك والعلم الحاصل به { ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى } والآية مفسرة في سورة النحل { فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً } أي هو بصير بمكانهم فيؤآخذهم حيث كانوا. وقيل: بصيراً بأعمالهم فيجازيهم عليها.