المعنى: ثم أخبر سبحانه عن حالهم أيضاً فقال {هذا يوم الفصل} بين الخلائق والحكم وتمييز الحق من الباطل على وجه يظهر لجميعهم الحال فيه وذلك بأن يدخل المطيع الجنة على وجه الإكرام ويدخل العاصي النار على وجه الإهانة {الذي كنتم} يا معشر الكفار {به تكذّبون} وهذا كلام بعضهم لبعض. وقيل: بل هو كلام الملائكة.
ثم حكى سبحانه ما يقوله للملائكة بأن قال {احشروا الذين ظلموا} أنفسهم بارتكاب المعاصي أي اجمعوهم من كل جهة. وقيل: ظلموا أنفسهم بمخالفتهم أمر الله سبحانه وبتكذيبهم الرسل. وقيل: ظلموا الناس
{وأزواجهم} أي وأشباههم عن ابن عباس ومجاهد ومثله { وكنتم أزواجاً ثلاثة } [الواقعة: 7] أي أشباهاً وأشكالاً ثلاثة فيكون المعنى أن صاحب الزنى يحشر مع أصحاب الزنى وصاحب الخمر مع أصحاب الخمر إلى غيرهم. وقيل: وأشياعهم من الكفار عن قتادة. وقيل: وأزواجهم المشركات كأنه قال احشروا المشركين والمشركات عن الحسن. وقيل: وأتباعهم على الكفر ونظراؤهم وضرباؤهم.
{وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} إنما عبَّر عن ذلك بالهداية من حيث كان بدلاً من الهداية إلى الجنة كقوله { فبشّرهم بعذاب أليم } [التوبة: 34] من حيث إن هذه البشارة وقعت لهم بدلاً من البشارة بالنعيم.
{وقفوهم} أي قفوا هؤلاء الكفار وأحبسوهم عن دخول النار {إنهم مسؤولون} روى أنس بن مالك مرفوعاً أنهم مسؤولون عما دعوا إليه من البدع. وقيل: مسؤولون عن أعمالهم وخطاياهم عن الضحاك. وقيل: عن قول لا إله إلا الله عن ابن عباس. وقيل: عن ولاية علي بن أبي طالب (ع) عن أبي سعيد الخدري وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً حدثناه عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بالإسناد يقال: وقفت أنا ووقفت غيري وبعض بني تميم يقول: أوقفت الدابة والدار وأنشد الفراء:
تَرىَ النَّاسَ ما سِرْنا يَسِيرُونَ خَلْفَنا وَإنْ نَحْــنُ أوْمَـأْنا إلَى النَّاسِ أوْقَفُوا
{ما لكم لا تناصرون} أي لا تتناصرون وهذا على وجه التوبيخ والتبكيت أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضاً في دفع العذاب والتقدير ما لكم غير متناصرين.
ثم بيَّن سبحانه أنهم لا يقدرون على التناصر فقال {بل هم اليوم مستسلمون} أي منقادون خاضعون ومعنى الاستسلام أن يلقي بيده غير منازع فيما يراد منه
{وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} هذا إخبار منه سبحانه أن كل واحد منهم يقبل على صاحبه الذي أغواه فيقول له على وجه التأنيب والتعنيف لِمَ غررتني ويقول ذلك له: لِمَ قبلت منّي. وقيل: يقبل الأتباع على المتبوعين والمتبوعون على الأتباع يتلاومون ويتعاتبون ويتخاصمون.
{قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} أي يقول الكفار لِغُواتهم أنكم كنتم تأتوننا من جهة النصيحة واليمن والبركة ولذلك أقررنا لكم والعرب تتيمن بما جاء من اليمين عن الجبائي. وقيل: معناه كنتم تأتوننا من قبل الدين فتروننا أن الحق والدين ما يضلوننا به واليمين عبارة عن الحق عن الزجاج. وقيل: معناه كنتم تأتوننا من قبل القوة والقدرة فتخدعوننا من أقوى الوجوه ومنه قوله { فراغ إليهم ضرباً باليمين } [الصافات: 93] عن الفراء.
{قالوا} في جواب ذلك ليس الأمر كما قلتم {بل لم تكونوا مؤمنين} مصدّقين بالله {وما كان لنا عليكم من سلطان} أي قدرة وقوة فنجبركم على الكفر فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم فإنه لازم لكم ولا حق بكم {بل كنتم قوماً طاغين} أي خارجين عن الحق باغين تجاوزتم الحد إلى أفحش الظلم وأعظم المعاصي.