خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
١١
وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٢
قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٣
قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي
١٤
فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١٥
لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ
١٦
وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ
١٧
ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٨
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ
١٩
لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ
٢٠
-الزمر

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الظلة السترة العالية جمعها ظلل والإنقاذ الإنجاء والغرف المنازل الرفيعة واحدها غرفة.
الإِعراب: { ذلك } مبتدأ ويخوّف الله به عباده خبره. { أن يعبدوها } في موضع نصب بدل من الطاغوت والتقدير والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت وخبر الذين اجتنبوا قوله { لهم البشرى } والبشرى ترتفع بالظرف لجريه خبراً على المبتدأ قال الزجاج: أفمن حقَّ عليه كلمة العذاب أفانت تنقذ من في النار معناه الشرط والجزاء وألف الاستفهام هنا معناها معنى التوقيف والألف الثانية جاءت مؤكدة معادة لما طال الكلام والمعنى أفمن حقَّ عليه كلمة العذاب أفانت تنقذه ومثله
{ أيعدكم أنكم إذا متّم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجرن } [المؤمنون: 35] أعاد أن الثانية والمعنى إنكم إذا متّم وكنتم تراباً وعظاماً تخرجون ويكون على وجه آخر على أنه حذف الخبر وفي الكلام دليل على المحذوف على معنى { أفمن حق عليه كلمة العذاب } يتخلص منه أو ينجو منه أفانت تنقذ أي لا يقدر أحد أن ينقذه.
المعنى: ثم خاطب سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار الذين تقدَّم ذكرهم { إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين } أي موحداً له لا أعبد معه سواه والعبادة الخالصة هي التي لا يشوبها شيء من المعاصي { وأمرت } أيضاً { لأن أكون أول المسلمين } فيكون لي فضل السبق وثوابه { قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } أي عذاب يوم القيامة.
{ قل } لهم { الله أعبد مخلصاً له ديني } وطاعتي { فاعبدوا } أنتم معاشر الكفار { ما شئتم من دونه } من الأصنام وهذا على وجه التهديد لهم بذلك { قل } لهم { إن الخاسرين } في الحقيقة هم { الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة } فلا ينتفعون بأنفسهم ولا يجدون في النار أهلاً كما كان لهم في الدنيا أهل فقد فاتتهم المنفعة بأنفسهم وأهليهم عن مجاهد وابن زيد. وقيل: خسروا أنفسهم بأن قذفوها بين أطباق الجحيم وخسروا أهليهم الذين أعدّوا لهم في جنة النعيم عن الحسن. قال ابن عباس: إن الله تعالى جعل لكل إنسان في الجنة منزلاً وأهلاً فمن عمل بطاعته كان له ذلك ومن عصاه صار إلى النار ودفع منزله وأهله إلى من أطاع فذلك قوله
{ { أولئك هم الوارثون } [المؤمنون: 10] { ألا ذلك هو الخسران المبين } أي البين الظاهر الذي لا يخفى.
{ لهم من فوقهم ظلل من النار } أي سرادقات وأطباق من النار ودخانها نعوذ بالله منها { ومن تحتهم ظلل } أي فرش ومهد. وقيل: إنما سمي ما تحتهم من النار ظللاً لأنها ظلل لمن تحتهم إذ النار أدراك وهم بين أطباقها. وقيل: إنما أجرى اسم الظلل على قطع النار على سبيل التوسع والمجاز لأنها في مقابلة ما لأهل الجنة من الظلل والمراد أن النار تحيط بجوانبهم { ذلك يخوّف الله به عباده } أي ذلك الذي وصف من العذاب يخوّف الله به عباده ورحمة لهم ليتّقوا عذابه بامتثال أوامره ثم أمرهم بالاتقاء فقال { يا عباد فاتقون } فقد أنذرتكم وألزمتكم الحجة وإنما حذف الياء في الموضعين لأن الكسرة تدلُّ عليها.
{ والذين اجتنبوا الطاغوت } أي الأوثان والشيطان. وقيل: كل من دعا إلى عبادة غير الله تعالى وإنما أنَّث للجماعة وفي قراءة الحسن اجتنبوا الطواغيت { أن يعبدوها } أي اجتنبوا عبادتها { وأنابوا إلى الله } أي تابوا إليه فأقلعوا عما كانوا عليه { لهم البشرى } أي البشارة وهي الإِعلام بما يظهر به السرور في بشرة وجوههم جزاء على ذلك وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: أنتم هم ومن أطاع جباراً فقد عبده.
ثم قال سبحانه مخاطباً لنبيّه صلى الله عليه وسلم { فبشر } يا محمد { عباد } اجتزأ بالكسرة عن الياء { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } أي أولاه بالقبول والعمل به وأرشده إلى الحق. وقيل: فيتبعون أحسن ما يؤمرون به ويعملون به عن السدي وروي عن أبي الدرداء قال لولا ثلاث ما أحببت أن أعيش يوماً واحداً الظمأ بالهواجر والسجود في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون من خير الكلام كما ينتقى طيب التمر. وقيل: معناه يستمعوه القرآن وغيره فيتبعون القرآن عن الزجاج. وقيل: يستمعون ما في القران والسنة من الطاعات والمباحات فيتبعون الطاعة التي هي أحسن إذ يستحق الثواب عليه أكثر وهو أن يأخذ بأفضل الأمرين كما أن القصاص حق والعفو أفضل فيأخذون بالعفو.
{ أولئك الذين هداهم الله } أي هؤلاء الذين هذه صفتهم هم الذين هداهم الله فاهتدوا به إلى الحق { وأولئك هم أولوا الألباب } أي ذوو العقول الذين انتفعوا بعقولهم وقال عبد الرحمن بن زيد: نزل قوله { والذين اجتنبوا الطاغوت } الآيتين في ثلاثة نفر كانوا يقولون في الجاهلية لا إله إلا الله زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي.
{ أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } اختلف في تقديره فقيل معناه أفمن وجب عليه وعيد الله بالعقاب أفأنت تخلصه من النار فاكتفى بذكر من في النار عن الضمير العائد إلى المبتدأ عن الزجاج والأخفش. وقيل: تقديره أفأنت تنقذ من في النار منهم وأتى بالاستفهام مرتين توكيداً للتنبيه على المعنى وقال ابن الأنباري: الوقف على قوله كلمة العذاب والتقدير كمن وجبت له الجنة ثم يبتدىء أفأنت تنقذ وأراد بكلمة العذاب قوله
{ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } [ص: 85] إنما قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لحرصه على إسلام المشركين والمعنى أنك لا تقدر على إدخال الإِسلام في قلوبهم شاؤوا أم أبوا فلا عليك إذا لم يؤمنوا فإنما أتوا ذلك من قبل نفوسهم وهذا كقوله { { فلعلك باخع نفسك على آثارهم } [الكهف: 6] الآية.
ثم بيَّن سبحانه ما أعدَّه للمؤمنين كما بيَّن ما أعدَّه للكفار فقال { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف } أي قصور في الجنة { من فوقها غرف } قصور { مبنية } وهذا في مقابلة قوله { لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل } فإنَّ في الجنة منازل رفيعة بعضها فوق بعض وذلك أن النظر من الغرف إلى الخضر والمياه أشهى وألذ { تجري من تحتها الأنهار } أي من تحت الغرف { وعد الله } أي وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعداً { لا يخلف الله الميعاد }.