خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٢٦
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٢٧
قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
٢٨
ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٩
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ
٣٠
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
٣١
-الزمر

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير وأهل البصرة غير سهل سالماً بالألف والباقون سَلَماً بغير ألف واللام مفتوحة وفي الشواذ قراءة سعيد بن جبير سِلْماً بكسر السين وسكون اللام.
الحجة: قال أبو علي: يقوّي قراءة من قرأ سالماً قوله { فيه شركاء متشاكسون } فكما أن الشريك عبارة عن العين وليس باسم حدث فكذلك الذي بإزائه ينبغي أن يكون فاعلاً ولا يكون اسم حدث ومن قرأ سَلَماً وسِلْماً فهما مصدران وليسا بوصفين كحسَن وبَطَل ونقض ونِضْو يقال سَلَم سَلَماً وسلامة وسِلْماً والمعنى فيمن قال سِلْماً ذا سلم أي رجلاً ذا سلم قال أبو الحسن سلم من الاستسلام وقال غيره السلم خلاف المحارب.
اللغة: الخزي المكروه والهوان والتشاكس التمانع والتنازع تشاكسوا في الأمر تشاكساً وأصله من الشكاسة وهو سوء الخلق والاختصام ردّ كل واحد من الاثنين ما أتي به الآخر على وجه الإنكار عليه وقد يكون أحدهما محقّاً والآخر مبطلاً وقد يكونان جميعاً مبطلين كاليهودي والنصراني وقد يكونان جميعاً محقّين.
الإعراب: قال الزجاج: { عربياً } منصوب على الحال أي في حال عروبيته وذكر { قرآناً } توكيداً كما تقول جاءني زيد رجلاً صالحاً وجاءني عمرو إنساناً عاقلاً فتذكر رجلاً وإنساناً توكيداً. { ضرب الله مثلاً رجلاً } فرجلاً بدل من قوله { مثلاً } والتقدير ضرب الله مثلاً مثل رجل فحذف المضاف وقوله { فيه شركاء } يرتفع بالظرف ورجلاً عطف على الأول أي ومثل رجل سالم.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عما فعله بالأمم المكذّبة بأن قال { فأذاقهم الله الخزي } أي الذل والهوان { في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر } أي أعظم وأشدّ { لو كانوا يعلمون ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } سمّى ذكر الأمم الماضية مثلاً كما قال ونبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال والمعنى أنا وصفنا وبيّنّا للناس في هذا القرآن كلّما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم { لعلهم يتذكرون } أي لكي يتذكروا ويتدبّروا فيعتبروا { قرآناً عربياً غير ذي عوج } أي غير ذي ميل عن الحق بل هو مستقيم موصل إلى الحق { لعلهم يتقون } أي لكي يتقوا معاصي الله.
ثم ضرب سبحانه مثلاً للكافر وعبادته الأصنام فقال { ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون } أي مختلفون سيّئوا الأخلاق متنازعون وإنما ضرب هذا المثل لسائر المشركين ولكنه ذكر رجلاً واحداً وصفه بصفة موجودة في سائر المشركين فيكون المثل المضروب له مضروباً لهم جميعاً ويعني بقوله { رجلاً فيه شركاء } أي يعبد آلهة مختلفة وأصناماً كثيرة وهم متشاجرون متعاسرون هذا يأمره وهذا ينهاه ويريد كل واحد منهم أن يفرده بالخدمة ثم يكل كل منهم أمره إلى الآخر ويكل الآخر إلى الآخر فيبقى هو خالياً عن المنافع وهذا حال من يخدم جماعة مختلفة الآراء والأهواء هذا مثل الكافر.
ثم ضرب سبحانه مثل المؤمن الموحّد فقال { ورجلاً سلماً لرجل } أي خالصاً يعبد مالكاً واحداً لا يشوب بخدمته خدمة غيره ولا يأمل سواه ومن كان بهذه الصفة نال ثمرة خدمته لا سيما إذا كان المخدوم حكيماً قادراً كريماً وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن علي (ع) أنه قال: أنا ذاك الرجل السلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وروى العياشي بإسناده عن أبي خالد عن أبي جعفر (ع) قال: الرجل السلم للرجل حقاً عليٌّ وشيعته.
{ هل يستويان مثلاً } أي هل يستوي هذان الرجلان صفة وشبهاً في حسن العاقبة وحصول المنفعة أي لا يستويان فإن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وحياطته ما لا يستحقّه صاحب الشركاء المختلفين في أمره وتمَّ الكلام ثم قال { الحمد لله } أي أحمد والله المستحق للثناء والشكر على هذا المثل الذي علَّمكموه فأزال به للمؤمنين الشبه وأوضح الدلالة. وقيل: معناه احمدوا الله حيث لطف بكم حتى عبدتموه وحده وأخلصتم الإِيمان له والتوحيد فهي النعمة السابغة { بل أكثرهم لا يعلمون } حقيقة ذلك.
ثم بيَّن سبحانه المقام الذي يتبيّن فيه المحقُّ والمبطل فقال { إنك ميت وإنهم ميتون } أي عاقبتك الموت وكذا عاقبة هؤلاء { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } يعني المحق والمبطل والظالم والمظلوم عن ابن عباس وكان أبو العالية يقول: الاختصام يكون بين أهل القبلة قال ابن عمر: كنا نرى أن هذه الآية فينا وفي أهل الكتابين. وقلنا: كيف نختصم نحن ونبيّنا واحد وكتابنا واحد حتى رأيتُ بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعلمت أنها فينا نزلت وقال أبو سعيد الخدري: في هذه الآية كنا نقول ربنا واحد ونبيّنا واحد وديننا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين وشدَّ بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا. وقال ابن عباس: الاختصام يكون بين المهتدين والضالين والصادقين والكاذبين.