خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
١١٣
لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
١١٤
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ فَسوف يؤتيه بالياء أبو عمرو وحمزة وقتيبة والكسائي وسهل وخلف والباقون بالنون.
الحجة: من قرأ بالياء فلما تقدمه من قولـه: { ولولا فضل الله عليك } { وأنزل عليك الكتاب } ومن قرأ بالنون فلأَنه أشبه بما بعده من قولـه نوله ما تولى ونصله جهنم.
اللغة: الهم ما هممت به ومنه الهمة، والهُمام الملك العظيم الهمة. قال علي بن عيسى: النجوى هو الإِسرار عند أهل اللغة. وقال الزجاج: النجوى في الكلام ما ينفرد به الجماعة أو الاثنان سرّاً كان أو ظاهراً. ومعنى نجوت الشيء في اللغة خلصته وألقيته. يقال: نجوت الجلد إذا ألقيته عن البعير أو غيره قال الشاعر:

فَقُلْتُ انْجُوا مِنْهَا نَجَا الْجِلْدِ إنَّهُ سَيُرْضِيكُما مِنْها سَنامٌ وَغارِبُهْ

ونجوت فلاناً إذا استنكهته قال:

نَجَوْتُ مُجالِداً فَشَمَمْتُ مِنْهُ كَريحِ الْكَلْبِ ماتَ حَديثَ عَهْدِ

وأصله من النجوة وهو ما ارتفع من الأَرض، فالمراد بنجواهم ما يديرونه بينهم من الكلام وفلان نجي فلان أي مناجيه والقوم أنْجِيَةٌ.
الإعراب: { إلاّ مَنْ أمَرَ } يجوز أن يكون مَنْ في موضع جرّ، المعنى إلا في نجوى مَنْ أمر ويجوز أن يكون استثناء ليس من الأَول ويكون موضعها نصباً ويكون معناه لكن من أمر بصدقة أو معروف ففي نجواه خير ونصيب ابتغاء مرضاة الله لأَنه مفعول له ويجوز أن يكون من أمر مجرور الموضع أيضاً على اتباع لكثير بمعنى لا خير في كثير إلا فيمن بصدقة كما يقال: لا خير في القوم إلا نفر منهم ويكون النجوى هنا بمعنى المتناجين نحو قولـه: { وإذ هم نجوى } ويجوز أيضاً أن يكون استثناء حقيقياً على تقدير لا خير في نجوى الناس إلا نجوى من أمر وهذا أولى مما تقدم من الاستثناء المنقطع لأَن حمل الكلام على الاتصال أولى إذا لم يخل بالمعنى.
النزول: قيل: نزلت في بني أبيرق وقد مضت قصتهم عن أبي صالح عن ابن عباس. وقيل: نزلت في وفد من ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد جئناك نبايعك على أن لا نكسر أصنامنا بأيدينا وعلى أن نمتع بالعزى سنة فلم يجبهم إلى ذلك وعصمه الله منه عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس.
المعنى: ثم بَيَّن سبحانه لطفه برسوله وفضله عليه إذ صرف كيدهم عنه وعصمه من الميل إليهم فقال: { ولولا فضل الله عليك ورحمته } قيل: { فضل الله } النبوة { ورحمته } نصرته إياه بالوحي. وقيل: { فضله } تأييده بألطافه { ورحمته } نعمته عن الجبائي. وقيل: { فضله } النبوة { ورحمته } العصمة { لهَمَّت طائفة منهم } لقصدت وأضمرت جماعة من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم { أن يضلُّوك } فيه أقوال أحدها: أن المعنّي بهم الذين شهدوا للخائنين من بني أبيرق بالبراءة عن ابن عباس والحسن والجبائي فيكون المعنى همَّت طائفة منهم أن يزيلوك عن الحق بشهادتهم للخائنين حتى أطلعك الله على أسرارهم وثانيها: إنهم وفد ثقيف الذين التمسوا من رسول الله ما لا يجوز وقد مضى ذكرهم عن ابن عباس أيضاً وثالثها: أنهم المنافقون الذين هَمُّوا بإهلاك النبي والمراد بالإضلال القتل، والإهلاك كما في قولـه تعالى:
{ { أإذا ضللنا في الأَرض } [السجدة: 10] فيكون المعنى لولا حفظ الله تعالى لك وحراسته إياك لهمَّت طائفة من المنافقين أن يقتلوك ويهلكوك ومثله وهمّوا بما لم ينالوا عن أبي مسلم.
{ وما يضلُّون إلا أنفسهم } أي وما يزيلون عن الحق إلا أنفسهم. وقيل: ما يهلكون إلا أنفسهم. ومعناه: أن وبال ما همُّوا به من الإِهلاك والإِذلال يعود عليهم حتى استحقُّوا العذاب الدائم { وما يضرُّونك من شيء } أي لا يضرُّونك بكيدهم ومكرهم شيئاً فإن الله حافظك وناصرك ومسددُك ومؤيدُك { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة } أي القرآن والسنّة واتصاله بما قبله أن المعنى كيف يضلُّونك وهو ينزّل عليك الكتاب ويوحي إليك بالأَحكام { وعلَّمك ما لم تكن تعلم } أي ما لم تعلمه من الشرائع وأنباء الرسل الأَولين وغير ذلك من العلوم.
{ وكان فضل الله عليك عظيماً } قيل: فضله عليك منذ خلقك إلى أن بعثك عظيم إذ جعلك خاتم النبيين وسيّدُ المرسلين وأعطاك الشفاعة وغيرها ثم قال: { لا خير في كثير من نجواهم } أي أسرارهم ومعنى النجوى: لا يتمّ إلا بين اثنين فصاعداً كالدعوى { إلا من أمر بصدقة } فإن في نجواه خيراً { أو معروف } يعني بالمعروف أبو البرّ لاعتراف العقول بها. وقيل: لأَن أهل الخير يعرفونها { أو إصلاح بين الناس } أي تأليف بينهم بالمودّة وقال علي بن إبراهيم في تفسيره: حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله قال: إن الله فرض التجمل في القرآن فقالت: قلت وما التجمل في القرآن جعلت فداك؟ قال: أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتجمل له وهو قولـه: { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف } الآية. قال: وحدَّثني أبي رفعه إلى أمير المؤمنين أنه قال: إن الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم.
{ ومن يفعل ذلك } يعني ما تقدم ذكره { ابتغاء مرضات الله } أي لطلب رضاء الله { فسوف نؤتيه } أي نعطيه { أجراً عظيماً } أي مثوبة عظيمة في الكثرة والمنزلة والصفة أما الكثرة فلأَنه دائم، وأما المنزلة فلأَنه مقارن للتعظيم والإِجلال. وأما الصفة فلأَنه غير مشوب بما ينغّصه. وفي الآية دلالة على أن فاعل المعصية هو الذي يضرّ بنفسه لما يعود عليه من وبال فعله وفيها دلالة أيضاً على أن الذي يدعو إلى الضلال هو المضل وعلى أن فاعل الضلال مضلّ لنفسه وعلى أن الدعاء إلى الضلال يسمى إضلالاً.