خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٤٢
مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً
١٤٣
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة عبد الله بن أبي إسحاق يرأون مثل يرعون والقراءة المشهورة يراؤون مثل يراعون وقراءة ابن عباس مُذَبذبين بكسر الذال الثانية.
الحجة: قال ابن جني يُرَأوُن يُفَعّلون من رأيت ومعناه يُبَصّرون الناس ويحملونهم على أن يروهم يفعلون ما يتعاطون وهو أقوى من يراؤون بالمد على يفاعلون لأن معناه يتعرضون لأن يروهم ويُراؤون معناه يحملونهم على أن يروهم قال الشاعر:

تَرى وَتُرَائي عِنْدَ مَعْقِدِ غَرْزِهَا تَهَاويلَ مِنْ أَجْلاَدِ هِرٍّ مُأَوَّمِ

وقولـه مذبذبين مثل قول الشاعر:

مَسيرةُ شَهْرٍ لِلْبَرِيدِ الْمُذَبْذَبِ

أي المهتز القلق الذي لا يثبت في مكان فكذلك هؤلاء.
اللغة: يقال ذبذبته فتذبذب أي حَرَّكته فتحرَّك فهو كتحريك شيء معلّق قال النابغة:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَعْطَاكَ سُورَةً تَرَى كُلَّ مُلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ

الإعراب: كسالى منصوب على الحال من الواو في قاموا ومذبذبين نصب على الحال من المنافقين.
المعنى: ثم بَيَّن سبحانه أفعالهم القبيحة فقال { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } قد ذكرنا معناه في أول البقرة وعلى الجملة خِداع المنافقين لله إظهارهم الإيمان الذي حقنوا به دماءهم وأموالهم. وقيل: معناه يخادعون النبي كما قال: إنما يبايعون الله فسمى مبايعة النبي مبايعة الله للاختصاص ولأن ذلك بأمره عن الحسن والزجاج. ومعنى خداع الله إيَّاهم أن يجازيهم على خداعهم كما قلناه: في قولـه:
{ الله يستهزئ بهم } [البقرة: 15] وقيل: هو حكمه بحقن دمائهم مع علمه بباطنهم. وقيل: هو أن يعطيهم الله نوراً يوم القيامة يمشون به مع المسلمين ثم يسلبهم ذلك النور ويضرب بينهم بسور عن الحسن والسدي وجماعة من المفسرين { وإذا قاموا إلى الصَّلاة قاموا كسالى } أي متثاقلين { يراؤون الناس } يعني أنهم لا يعملون شيئاً من أعمال العبادات على وجه القربة إلى الله وإنما يفعلون ذلك إبقاء على أنفسهم وحذراً من القتل وسلب الأموال وإذا رآهم المسلمون صلّوا ليروهم أنهم يدينون بدينهم وإن لم يرهم أحد لم يصلوا وبه قال قتادة بن زيد.
وروى العياشي بإسناده عن مسعدة بن زياد
"عن أبي عبد الله عن آبائه أن رسول الله سئل فيمَ النجاة غداً؟ قال: النجاة أن لا تخادعوا الله فيخدعكم فإنه من يخادع الله يخدعه ونفسه يخدع لو شعر" فقيل له: فكيف يخادع الله. قال: "يعمل بما أمره الله ثم يريد به غيره فاتقوا الرياء فإنه شرك بالله إن المرائي يُدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك وبطل أجرك ولا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له" .
{ ولا يذكرون الله إلاَّ قليلاً } أي ذكرا قليلاً. ومعناه لا يذكرون الله عن نيّة خالصة ولو ذكروه مخلصين. لكان كثيراً وإنما وصف بالقلة لأنه لغير الله عن الحسن وابن عباس. وقيل: لا يذكرون إلاَّ ذكراً يسيراً نحو التكبير والأذكار التي يجهر بها ويتركون التسبيح وما يخافت به من القراءة وغيرها عن أبي علي الجبائي. وقيل: إنما وصف الذكر بالقلة لأنه سبحانه لم يقبله وكل ما ردَّه الله فهو قليل { مذبذبين بين ذلك } أي مردّدين بين الكفر والإيمان يريد كأنه فعل بهم ذلك وإن كان الفعل لهم على الحقيقة. وقيل: معنى مذبذبين مطرودين من هؤلاء ومن هؤلاء من الذبّ الذي هو الطرد وصفهم سبحانه بالحيرة في دينهم وأنهم لا يرجعون إلى صحة نية لا مع المؤمنين على بصيرة ولا مع الكافرين على جهالة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثلهم مثل الشاة العائرة بين الغنمين تتحيّر فتنظر إلى هذه وهذه لا تدري أيهما تتبع" { لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } أي لا مع هؤلاء في الحقيقة ولا مع هؤلاء يُظهرون الإيمان كما يُظهره المؤمنون ويُضمرون الكفر كما يُضمره المشركون فلم يكونوا مع أحد الفريقين في الحقيقة فإن المؤمنين يُضمرون الإيمان كما يُظهرونه والمشركون يُظهرون الكفر كما يُضمرونه { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً } أي طريقاً ومذهباً وقد مضى ذكر معنى الإضلال مشروحاً في سورة البقرة عند قولـه: { { وما يضلّ به إلاَّ الفاسقين } [البقرة: 26] فلا معنى لإعادته.