خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً
٥٨
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قد ذكرنا الاختلاف بين القُراء في نعماً ووجوه قراءتهم وحججها في سورة البقرة.
اللغة: يُقال أديت الشيء تأدية وقد يوضع الأداء موضع التأدية فيقام الاسم مقام المصدر، والسميع هو من كان على صفة يجب لأجلها أن يسمع المسموعات إذا وجدت، والبصير من كان على صفة يجب لأجلها أن يبصر المبصرات إذا وجدت والسامع هو المدرك للمسموعات، والمبصر هو المدرك للمبصرات ولهذا يوصف القديم فيما لم يزل بأنه سميع بصير، ولا يوصف في القدم بأنه سامع مبصر.
الإعراب: قولـه نعمّا يعظكم به تقديره نعم شيئاً شيء يعظكم به فيكون شيئاً تبييناً لاسم الجنس المضمر الذي هو فاعل نعم والمخصوص بالمدح قد حذف وأُقيمت صفته مقامه وقولـه نعما يعظكم به جملة في موضع رفع بأنه خبر أنَّ.
المعنى: ثم أمر سبحانه بأداء الأمانة فقال { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قيل في المعنى بهذه الآية أقوال أحدها: أنها في كل من اؤتمن أمانة من الأمانات وأمانات الله أوامره ونواهيه، وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضاً من المال وغيره عن ابن عباس، وأبي بن كعب، وابن مسعود، والحسن، وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع). وثانيها: أن المراد به ولاة الأمر أمرهم الله أن يقوموا برعاية الرعية وحملهم على موجب الدين والشريعة عن زيد بن أسلم ومكحول وشهر بن حوشب وهو اختيار الجبائي، ورواه أصحابنا عن أبي جعفر الباقر، وأبي عبد الله الصادق قالا: أمر الله تعالى كل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده، ويعضده أنه سبحانه أمر الرعية بعد هذا بطاعة ولاة الأمر، وروي عنهم أنهم قالوا: آيتان إحداهما لنا، والأُخرى لكم.
قال الله: { إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها } الآية.
ثم قال:
{ { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم } [النساء: 59] الآية وهذا القول داخل في القول الأول لانه من جملة ما ائتمن الله عليه الأئمة الصادقين ولذلك قال أبو جعفر (ع): إن أداء الصَّلاة والزكاة والصوم والحج من الأمانة ويكون من جملتها الأمر لولاة الأمر بقسم الصدقات والغنائم وغير ذلك مما يتعلق به حق الرعية وقد عظَّم الله سبحانه أمر الأمانة بقولـه: { يعلم خائنة الأعين } [غافر: 19] وقولـه: { { ولا تخونوا الله والرسول } [الأنفال: 27] وقولـه: { { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤدِه إليك } [آل عمران: 75].
وثالثها: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بردِّ مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة حين قبض منه المفتاح يوم فتح مكة وأراد أن يدفعه إلى العباس لتكون له الحجابة والسقاية عن ابن جريج والمعوَّل على ما تقدم وإن صحَّ القول الأخير والرواية فيه فقد دلَّ الدليل على أن الأمر إذا ورد على سبب لا يجب قصره عليه بل يكون على عمومه.
{ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } أمر الله الولاة والحكام أن يحكموا بالعدل والنصفة ونظيره قولـه:
{ { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق } [ص: 26] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "سوِّ بين الخصمين في لحظك ولفظك" . وورد في الآثار أن الصبيين ارتفعا إلى الحسن بن علي في خط كتباه وحكماه في ذلك ليحكم أيُّ الخطين أجود فبصر به عليّ، فقال: يا بني أنظر كيف تحكم فإنّ هذا حكم والله سائلك عنه يوم القيامة { إن الله نعمّا يعظكم به } أي نعم الشيء ما يعظكم به من الأمر بردِّ الأمانة، والنهي عن الخيانة، والحكم بالعدل، ومعنى الوعظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيل: هو الأمر بالخير والنهي عن الشرّ { إن الله كان سميعاً } بجميع المسموعات و { بصيراً } بجميع المبصرات. وقيل: معناه عالم بأقوالكم وأفعالكم وأدخل كان تنبيهاً على أن هذه الصفة واجبة له فيما لم يزل.