خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
٦٥
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: شجر الأَمر شجراً وشجوراً إذا اختلط، وشاجَرَه في الأَمر إذا نازعه، وتشاجروا فيه وكلّ ذلك لتداخل كلام بعضهم في بعض كتداخل الشجر بالتفافه، وأصل الحرج الضيق، وفي الحديث: "حَدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" أي: لا ضيق. وقيل: لا إثم.
الإعراب: لا دخلت في أول الكلام لأَنها ردّ لكلام فكأنه قيل: فليس الأَمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم فقال: { وَربِّك لا يؤمنون } وقيل: إنّ لا ههنا توطئة للنفي الذي يأتي فيما بعد لأَن ذكر النفي في أول الكلام وآخره أوكد فإن النفي يقتضي أن يكون له صدر الكلام، وقد اقتضى القسم أن يكون النفي في الجواب وتسليماً مصدر مؤكد، والمصادر المؤكدة بمنزلة ذكرك للفعل ثانياً، ومن حق التوكيد أن يكون محققاً لما تذكره في صدر كلامك فإذا قلت: ضربت ضرباً فمعناه: أحدثتُ ضرباً أحقه حقاً.
النزول: قيل:
"نزلت في الزبير، ورجل من الأَنصار خاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان بها النخل كلاهما فقال النبي للزبير: أسق ثم أرسل إلى جارك فغضب الأَنصاري وقال يا رسول الله لأن كان ابن عمتك فَتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير: أسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدُر واستوف حقك ثم أرسل إلى جارك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار إلى الزبير برأي فيه السعة له ولخصمه، فلما أحفظ رسول الله استوعب للزبير حقه في صريح الحكم" . ويقال: إن الرجل كان حاطب بن أبي بَلْتعة. قال الراوي: ثم خرجا فمرّا على المقداد، فقال: لمن كان القضاء يا أبا بلتعة قال: قضى لابن عمته، ولوى شدقه، ففطن لذلك يهودي كان مع المقداد فقال: قاتل الله هؤلاء يزعمون أنه رسول الله ثم يتّهمونه في قضاء يقضي بينهم، وأيم الله لقد أذنبنا مرة واحدة في حياة موسى فدعانا موسى إلى التوبة فقال: اقتلوا أنفسكم ففعلنا، فبلغ قتلانا سبعين ألفاً، في طاعة ربنا حتى رضي عنا، فقال ثابت بن قيس بن شماس: أما والله إن الله ليعلم مني الصدق، ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعلت فأنزل الله في شأن حاطب بن أبي بلتعة وَليِّه شدقه هذه الآية. وقال الشعبي: نزلت في قصة بشر المنافق واليهودي اللذين اختصما إلى عمر وقد مضى ذكرهما.
المعنى: ثُمَّ بَيَّن الله أن الإِيمان إنما هو بالتزام حكم رسول الله والرضاء به فقال { فلا } أي ليس كما تزعمون أنهم يؤمنون مع محاكمتهم إلى الطاغوت { وربك لا يؤمنون } أقْسَم الله إن هؤلاء المنافقين لا يكونون مؤمنين، ولا يدخلون في الإِيمان { حتى يحكموك } أي حتى يجعلوك حكماً أو حاكماً { فيما شجر بينهم } أي فيما وقع بينهم من الخصومة، والتبس عليهم من أحكام الشريعة { ثم لا يجدوا في أنفسهم } أي في قلوبهم { حرجاً } أي شكاً في أن ما قلته حق عن مجاهد. وقيل: إثماً أي لا يأثمون بإنكار ذلك عن الضحاك. وقيل: ضيقاً بشكٍ أو إثم عن أبي علي الجبائي وهو الوجه { مما قضيت } أي حكمت { ويسلموا تسليماً } أي ينقادوا لحكمك إذعاناً لك، وخضوعاً لأَمرك، وروي عن الصادق (ع) أنه قال: لو أن قوماً عبدوا الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصاموا شهر رمضان، وحجّوا البيت، ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله إلاّ صنع خلاف ما صنع أو وجدوا من ذلك حرجاً في أنفسهم لكانوا مشركين ثم تلا هذه الآية.