خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً
٨٥
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أصل الشفاعة: من الشفع الذي هو ضدّ الوتر فإن الرجل إذا شفع بصاحبه فقد شفعه أي صار ثانيه ومنه الشفيع في الملك لأنه يضم ملك غيره إلى ملك نفسه واختلفت الأمة في كيفية شفاعة النبي يوم القيامة فقالت المعتزلة ومن تابعهم: يشفع لأهل الجنة ليزيد الله درجاتهم. وقال غيرهم: من فرق الأمة بل يشفع لمذنبي الأمة ممن ارتضى الله دينهم ليسقط عقابهم بشفاعته، والكفل في اللغة النصيب وأخذ من قولـهم: اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه كساء وركبت عليه، وإنما يقال ذلك لأنه لم يستعمل الظهر كله وإنما استعمل نصيب من الظهر. وقال الأزهري: الكِفْل الذي لا يحسن ركوب الفرس. وأصله الكَفَل وهو ردف العجز، ومنه الكفالة بالنفس والمال والكِفْل المثل والمقيت أصله من القوت فإنه يقوته قوتاً إذا أعطاه ما يمسك به رمقه، والمقيت المقتدر لاقتداره على ذلك وإقات يقيت إقاتة وينشد للزبير بن عبد المطلب:

وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْس عَنْهُ وَكُنْــتُ عَلى مَساءَتِهِ مُقِيتا

فهذه لغة قريش.
المعنى: { من يشفع شفاعة حسنة } قيل فيه أقوال أحدها: أن معناه من يصلح بين اثنين { يكن له نصيب منها } أي يكن له أجر منها { ومن يشفع شفاعة سيئة } أي يمشي بالنميمة { يكن له كفل منها } أي إثم منها عن الكلبي عن ابن عباس وثانيها: أن الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة شفاعة الناس بعضهم لبعض عن مجاهد والحسن قال ما يجوز في الدين أن يشفع فيه فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن يشفع فيه فهو شفاعة سيئة. قال: ومن يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر وثواب وإن لم يشفع لأن الله قال: { ومن يَشْفَعْ } ولم يقل ومن يُشَفَّع ويؤيّد هذا قولـه: "اشفعوا تؤجروا" وقولـه: "من حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله فقد ضادَّ الله في ملكه ومن أعان على خصومة بغير علم كان في سخط الله حتى ينزع" وثالثها: أن المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، وبالشفاعة السيئة الدعاء عليهم عن أبي علي الجبائي قال: لأن اليهود كانت تفعل ذلك فتوعَّدهم الله عليه ورابعها: ما قاله بعضهم، أن المراد بالشفاعة هنا أن يصير الإنسان شفع صاحبه في جهاد عدوّه فيحصل له من هذه الشفاعة نصيب في العاجل من الغنيمة والظفر، وفي الآجل من الثواب المنتظر وإن صار شفعاً له في معصية أو شرّ حصل له نصيب من المذمة في العاجل والعقوبة في الآجر والكفل الوزر عن الحسن وقتادة وهو النصيب والحظّ عن السدي والربيع، وجميع أهل اللغة فكأنه النصيب من الشر.
{ وكان الله على كل شيء مقيتاً } قيل في معنى المقيت أقوال أحدها: أنه المقتدر عن السدي وابن زيد وثانيها: الحفيظ الذي يعطي الشيء قدر الحاجة من الحفظ عن ابن عباس وثالثها: الشهيد عن مجاهد ورابعها: الحسيب عنه أيضاً وخامسها: المجازي عن أبي علي الجبائي أي يجازى على كل شيء من الحسنات والسيئات.
النظم: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه سبحانه لما قال { لا تكلف إلا نفسك } عقَّب ذلك بأن لك مع هذا في دعاء المؤمنين إلى الحق ما للإنسان في شفاعة صاحبه لخير يصل إلى المشفوع له لئلا يتوهم أن العبد من أجل أنه لا يؤخذ بعمل غيره لا يتزيد فعله يعمل غيره عن علي بن عيسى. وقيل: الوجه فيه إن كل من طلب لغيره خيراً فوصل إليه حصل له نصيب منه وأنت قد طلبت لهم الخير حيث دعوتهم إلى الجهاد وحرَّضتهم عليه قال القاضي هذا أحسن ما قيل فيه.