اللغة: التحية السلام يقال حيّي يحيّي تحية إذا سلّم قال الشاعر:
إِنَّا مُحَيُّوك يا سُلْمى فَحَيِّينـا وَإِنْ سَقَيْتِ كِرامَ النَّاسِ فَاسْقِينا
والتحية البقاء قال:
مِنْ كُلّ ما نالَ الفَتى قَدْ نِلْتُــهُ إِلاَّ التَّحِيَّةْ
يعني الملِك وإنما سمي بذلك لأن المَلِك يحيَّى بالسلام والثناء الحسن، والحسيب الحفيظ لكل شيء حتى لا يشذ منه شيء، والحسيب الفعيل من الحساب الذي هو الإحصاء. يقال: حاسب فلان فلاناً على كذا وهو حسيبه إذا كان صاحب حسابه. ومن قال: الحسيب الكافي فهو من قولـهم أحسبني فلان الشيء إحساباً إذا كفاني وحسبي كذا أي كفاني وقال الزجاج: معنى الحسيب أنه يعطي كل شيء من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه أي يكفيه ومنه قولـه: { عطاء حساباً } أي كافياً.
المعنى: { وإذا حيّيتم بتحية فحيّوا بأحسن منها } أمر الله المسلمين بردّ السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمناً وإلا فليقل وعليكم ولا يزيد على ذلك فقولـه: { بأحسن منها } للمسلمين خاصة وقولـه { أو ردّوها } لأهل الكتاب عن ابن عباس فإذا قال المسلم: السلام عليكم. فقل: وعليكم السلام ورحمة الله. وإذا قال السلام عليكم ورحمة الله فقل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى السلام. وقيل: إن قولـه: { أو ردّوها } للمسلمين خاصة أيضاً عن السدي وعطاء وإبراهيم وابن جريج قالوا: إذا سلَّم عليك المسلم فردّ عليه بأحسن مما سلم عليك أو بمثل ما قال. وهذا أقوى لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين عليهم السلام أن المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البرّ "وذكر الحسن أن رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله: فجاءه آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله، فقال النبي: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فجاءه آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقيل: يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية ولم تزد في الثالث فقال: إنه لم يبق لي من التحية شيئاً فرددت عليه مثله" .
وروى الواحدي بإسناده عن أبي أمامة عن مالك بن التيهان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "من قال السلام عليكم كتب له عشر حسنات ومن قال السلام عليكم ورحمة الله كتب له عشرون حسنة ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة " { إن الله كان على كل شيء حسيباً } أي حفيظاً عن مجاهد وقيل: كافياً. وقيل: مجازياً عن ابن عباس
وفي هذه الآية دلالة على وجوب رد السلام لأنَّ ظاهر الأمر يقتضي الوجوب. وقال الحسن وجماعة من المفسرين: إن السلام تطوّع والرَدّ فرض ثم الردّ ربما كان من فروض الكفاية، وقد يتعين بأن يخصَّه بالسلام ولا أحد عنده فيتعيّن عليه الردّ.
النظم: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن المراد بالسلام المسالمة التي هي ضد الحرب فلما أمر سبحانه بقتال المشركين عقَّبه بأن قال: من مال إلى السلم وأعطى ذاك من نفسه وحيى المؤمنين بتحية فأقبلوا منه.