خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً
٨٨
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الأركاس: الرَدّ ومنه قول أمية بن أبي الصلت:

فَأُرْكِسُوا فـــي حَمِيمِ النَّـارِ إنَّهُـم كانُوا عُصاةً وَقالُوا الإفْكَ وَالزُّورا

قال الفراء: يقال أركسهم وركسهم وقد ذكر أن عبد الله وأُبي بن كعب قرآ رَكَسهم بغير ألف.
الإعراب: فئتين نصب على الحال كما تقول مالك قائماً والعامل في الحال معنى الفعل الذي في الظرف أعني قولـه لك.
النزول: اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فيه فقيل: نزلت في قوم قدموا المدينة من مكة فأظهروا للمسلمين الإسلام ثم رجعوا إلى مكة لأنهم استوخموا المدينة فأظهروا الشرك ثم سافروا ببضائع المشركين إلى اليمامة فأراد المسلمون أن يغزوهم فاختلفوا، فقال بعضهم: لا نفعل فإنهم مؤمنون. وقال آخرون: إنهم مشركون فأنزل الله فيهم الآية عن مجاهد والحسن وهو المروي عن أبي جعفر (ع). وقيل: نزلت في الذين تخلفوا عن أحد. وقالوا: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم الآية فاختلف أصحاب رسول الله فقال فريق منهم نقتلهم. وقال آخرون: لا نقتلهم فنزلت الآية عن زيد بن ثابت.
المعنى: ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال تعالى { فما لكم } أيها المؤمنون صرتم { في } أمر هؤلاء { المنافقين فئتين } أي فرقتين مختلفتين فمنكم من يكفّرهم ومنكم من لا يكفرهم { والله أركسهم بما كسبوا } أي ردَّهم إلى حكم الكفار بما أظهروا من الكفر عن ابن عباس. وقيل: معناه أهلكهم بكفرهم عن قتادة. وقيل: خذلهم فأقاموا على كفرهم وتردّدوا فيه فأخبر عن خذلانه إياهم بأنه أركسهم عن أبي مسلم { أتريدون أن تهدوا } أي تحكموا بهداية { من أضل الله } أي حكم الله بضلاله وسمَّاه ضالاً. وقيل: معنى أضلَّه الله خذله ولم يوفّقه كما وفّق المؤمنين لأنهم لما عصوا وخالفوا استحقّوا هذا الخذلان عقوبة لهم على معصيتهم، أي: أتريدون الدفاع عن قتالهم مع أن الله حكم بضلالهم وخذلهم ووكّلهم إلى أنفسهم. وقال أبو علي الجبائي: معناه أتريدون أن تهدوا إلى طريق الجنة من أضلَّه تعالى عن طريق الجنة والثواب، وطعن على القول الأول بأنه لو أراد التسمية والحكم لقال من ضلَّل الله وهذا لا يصح لأن العرب تقول أكفرته وكفّرته قال الكميت:

وَطائِفَةٍ قَدْ أكْفَرُونِي بِحُبِّكُم وَطائِفَة قالُوا مُسيءٌ وَمُذْنِبُ

وأيضاً فإنه تعالى إنما وصف المؤمنين بهدايتهم بأن سمَّاهم مهتدين لأنهم كانوا يقولون إنهم مؤمنون فقال تعالى لا تختلفوا فيهم وقولوا بأجمعكم أنهم منافقون { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً } معناه ومن نسبه الله إلى الضلالة فلن ينفعه أن يحكم غيره بهدايته كما يقال من جرحه الحاكم فلا ينفعه تعديل غيره. وقيل: معناه من يجعله الله في حكمه ضالاًّ فلن تجد له في ضلالته حجة عن جعفر بن حرث قال: ويدلّ على أنهم هم الذين اكتسبوا ما صاروا إليه من الكفر دون أن يكون الله تعالى اضطرَّهم إليه قولـه على أثر ذلك: { ودّوا لو تكفرون كما كفروا } فأضاف الكفر إليهم.