خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ
١١
ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ
١٢
هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ
١٣
فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ
١٤
رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ
١٥
يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ
١٦
ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
١٧
-غافر

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ روح وزيد عن يعقوب لتنذر بالتاء والباقون بالياء.
الحجة: التاء على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقراءة القراء بالياء على أن الضمير يعود إلى من يشاء من عباده.
الإعراب: { لمن الملك اليوم } انتصب اليوم لمدلول قوله { لمن الملك اليوم } أي لمن ثبت الملك في هذا اليوم ويجوز أن يتعلق بنفس الملك وقال قوم إن الوقف على الملك حسن ويبتدىء اليوم { لله الواحد القهار } أي في هذا اليوم.
المعنى: ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين تقدم وصفهم بعد حصولهم في النار بأنهم قالوا { ربنا أمتَّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } اختلف في معناه على وجوه:
أحدها: أن الإماتة الأولى في الدنيا بعد الحياة والثانية في القبر قبل البعث والإحياء الآتي في القبر للمسائلة والثانية في الحشر عن السدي وهو اختيار البلخي.
وثانيها: أن الإماتة الأولى حال كونهم نطفاً فأحياهم الله في الدنيا ثم أماتهم الموتة الثانية ثم أحياهم للبعث فهاتان حياتان وموتتان ونظيره قوله
{ { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً } [البقرة: 28] عن ابن عباس وقتادة والضحاك واختاره أبو مسلم.
وثالثها: أن الحياة الأولى في الدنيا والثانية في القبر ولم يرد الحياة يوم القيامة والموتة الأولى في الدنيا والثانية في القبر عن الجبائي.
{ فاعترفنا بذنوبنا } التي اقترفناها في الدنيا { فهل إلى خروج من سبيل } هذا تلطف منهم في الاستدعاء أي هل بعد الاعتراف سبيل إلى الخروج. وقيل: إنهم سألوا الرجوع إلى الدنيا أي هل من خروج من النار إلى الدنيا لنعمل بطاعتك ولو علم الله سبحانه أنهم يفلحون لردَّهم إلى حال التكليف ولذلك قال: ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه تنبيهاً على أنهم لو صدقوا في ذلك لأجابهم إلى ما تمنّوه وفي الكلام حذف تقديره فأجيبوا بأنه لا سبيل لكم إلى الخروج.
{ ذلكم } أي ذلكم العذاب الذي حلَّ بكم { بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم } أي إذا قيل لا إله إلا الله قلتم أجعل الآلهة إلهاً واحداً وجحدتم ذلك { وإن يشرك به تؤمنوا } أي وإن شرك به معبود آخر من الأصنام والأوثان تصدقوا { فالحكم لله } في ذلك والفصل بين الحق والباطل { العلي } القادر على كل شيء ليس فوقه من هو أقدر منه أو من يساويه في مقدوره ونقلت هذه اللفظة من علو المكان إلى علو الشأن ولذلك جاز وصفه سبحانه بذلك قال استعلى فلان عليه بالقوة وبالحجة وليس كذلك الرفعة ولذلك لا يوصف مكانه بأنه رفيع كما وصف بأنه علي { الكبير } العظيم في صفاته التي لا يشاركه فيها غيره. وقيل: هو السيد الجليل عن الجبائي.
{ هو الذي يريكم آياته } أي مصنوعاته التي تدل على كمال قدرته وتوحيده من السماء والأرض والشمس والقمر { وينزل لكم من السماء رزقاً } من الغيث والمطر الذي ينبت ما هو رزق للخلق { وما يتذكر } أي وما يتّعظ بهذه الآيات وليس يتفكر في حقيقتها { إلا من ينيب } أي يرجع إليه. وقيل: إلا من يقبل إلى طاعة الله عن السدي.
ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال { فادعوا الله مخلصين له الدين } أي وجّهوا عبادتكم إليه تعالى وحده { ولو كره الكافرون } فلا تبالوا بهم.
ثم وصف سبحانه نفسه فقال { رفيع الدرجات } الرفيع بمعنى الرافع أي هو رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة عن عطاء ابن عباس. وقيل: معناه رافع السموات السبع عن سعيد بن جبير. وقيل: معناه أنه عالي الصفات { ذو العرش } أي مالك العرش وخالقه وربه. وقيل: ذو الملك والعرش الملك عن أبي مسلم { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده }. وقيل: الروح هو القرآن وكل كتاب أنزله الله تعالى على نبيّ من أنبيائه. وقيل: الروح الوحي هنا لأنه يحيي به القلب أي يلقي الوحي على قلب من يشاء ممن يراه أهلاً له يقال ألقيت عليه كذا أي فهمته إياه. وقيل: إن الروح جبرائيل (ع) يرسله الله تعالى بأمره عن الضحاك وقتادة. وقيل: أن الروح ها هنا النبوة عن السدي.
{ لينذر } النبي بما أوحي إليه { يوم التلاقي } يلتقي في ذلك اليوم أهل السماء وأهل الأرض عن قتادة والسدي وابن زيد. وقيل: فيه يلتقي الأولون والآخرون والخصم والمخصوم والظالم والمظلوم عن الجبائي. وقيل: يلتقي الخلق والخالق عن ابن عباس يعني أنه يحكم بينهم. وقيل: يلتقي المرء وعمله والكل مراد والله أعلم.
{ يوم هم بارزون } من قبورهم. وقيل: يبرز بعضهم لبعض فلا يخفى على أحد حال غيره لأنه ينكشف ما يكون مستوراً { لا يخفى على الله منهم شيء } أي من أعمالهم وأحوالهم ويقول الله في ذلك اليوم { لمن الملك اليوم } فيقرّ المؤمنون والكافرون بأنه { لله الواحد القهار }. وقيل: إنه سبحانه هو القائل لذلك وهو المجيب لنفسه ويكون في الإخبار بذلك مصلحة للمكلفين.
قال محمد بن كعب القرظي: يقول الله تعالى ذلك بين النفختين حين يفني الخلائق كلها ثم يجيب نفسه لأنه بقي وحده والأول أصح لأنه بيَّن أنه يقول { ذلك يوم التلاقي } يوم يبرز العباد من قبورهم وإنما خصَّ ذلك اليوم بأن له الملك فيه لأنه قد ملك العباد بعض الأمور في الدنيا ولا يملك أحد شيئاً ذلك اليوم فإن قيل أليس يملك الأنبياء والمؤمنون في الآخرة الملك العظيم فالجواب: إن أحداً لا يستحق إطلاق الصفة بالملك إلا الله لأنه يملك جميع الأمور من غير تمليك مملك. وقيل: إن المراد به يوم القيامة قبل تمليك أهل الجنة ما يملكهم.
{ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت } يجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وفي الحديث
"إن الله تعالى يقول أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقضه منه" ثم تلا هذه الآية { لا ظلم اليوم } أي لا ظلم لأحد على أحد ولا ينقص من ثواب أحد ولا يزاد في عقاب أحد { إن الله سريع الحساب } لا يشغله محاسبة واحد عن محاسبة غيره.
النظم: اتصل قوله { ربنا أمتنا اثنتين } بما تقدَّم من ذكر إنكار الكفار البعث فعقَّبه سبحانه بذكر اعترافهم بذلك يوم القيامة وأيضاً فإنه سبحانه لما ذكر مقتهم أنفسهم لعظم ما نزل بهم ذكر بعده سؤالهم الرجعة إلى الدنيا وإنما اتصل قوله { فاعترفنا بذنوبنا } بما تقدَّم من إقرارهم بصفة الرب سبحانه فكأنهم قالوا اعترفنا بك ربنا فإنك أمتنا وأحييتنا ومع هذا فقد اعترفنا بذنوبنا واتصل قوله { هو الذي يريكم آياته } بقوله { العلي الكبير } أي ومن هذه صفاته يريكم آياته واتصل قوله { رفيع الدرجات } بقوله { هو الذي يريكم آياته } أي وهو الرفيع الدرجات. وقيل: إنه لما ذكر حال الفريقين ذكر الدرجات.