خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
٥٦
لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ
٥٨
إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
٥٩
وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
٦٠
-غافر

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة تتذكرون بالتاء والباقون بالياء وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو بكر غير الشموني وسهل سَيُدْخَلون بضم الياء وفتح الخاء والباقون بفتح الياء وضم الخاء.
الحجة: التاء على قل لهم قليلاً ما تتذكرون والياء على أنّ الكفار قليلاَ ما يتذكرون وقوله { سيدخلون } الوجه في القراءتين ظاهر.
النزول: نزل قوله { إن الذين يجادلون في آيات الله } الآية في اليهود لأنهم كانوا يقولون سيخرج المسيح الدجال فنعينه على محمد وأصحابه ونستريح منهم ويردُّ الملك الينا عن أبي العالية.
المعنى: ثم قال سبحانه { إن الذين يجادلون } أي يخاصمون { في آيات الله } أي في دفع آيات وإبطالها { بغير سلطان } أي حجة { أتاهم } الله إياها يتسلَّط بها على إنكار مذهب يخالف مذهبهم { إن في صدورهم إلا كبر } أي ليس في صدورهم إلا عظمة وتكبّر على محمد صلى الله عليه وسلم وجبرية { ما هم ببالغيه } أي ما هم ببالغي مقتضى تلك العظمة لأن الله تعالى مذلّهم. وقيل: معناه كبر بحسدك على النبوة التي أكرمك الله بها { ما هم ببالغيه } لأن الله تعالى يرفع بشرف النبوة من يشاء. وقيل: ما هم ببالغي وقت خروج الدجال { فاستعذ بالله } من شر اليهود والدجال ومن جميع ما يجب الاستعاذة منه { إنه هو السميع } لأقوال هؤلاء { البصير } بضمائرهم وفي هذا تهديد لهم فيما أقدموا عليه.
ثم قال سبحانه { لخلق السماوات والأرض } مع عظمهما وكثرة أجزائهما ووقوفهما بغير عمد وجريان الفلك والكواكب من غير سبب { أكبر } أي أعظم وأهول في النفس { من خلق الناس } وإن كان خلق الناس عظيماً بما فيه من الحياة والحواس المهيَّئة لأنواع مختلفة من الإدراكات { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } لعدولهم عن الفكر فيه والاستدلال على صحته والمعنى أنهم إذا أقرّوا بأن الله تعالى خلق السماء والأرض فكيف أنكروا قدرته على إحياء الموتى ولكنَّهم أعرضوا عن التدبر فحلّوا محل الجاهل الذي لا يعلم شيئاً.
{ وما يستوي الأعمى والبصير } أي لا يستوي من أهمل نفسه ومن تفكَّر فعرف الحق شبَّه الذي لا يتفكر في الدلائل بالأعمى والذي يستدل بها بالبصير { والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء } أي وما يستوي المؤمنون الصالحون ولا الكافر الفاسق في الكرامة والإِهانة والهدى والضلال { قليلاً ما تتذكرون } يجوز أن تكون ما مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية فيكون تقديره قليلاً تذكرهم أي قلَّ نظرهم فيما ينبغي أن ينظروا فيه مما دعوا إليه.
{ إن الساعة } يعني القيامة { لآتية } أي جائية واقعة { لا ريب فيها } أي لا شكَّ في مجيئها { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } أي لا يصدّقون بذلك لجهلهم بالله تعالى وشكّهم في إخباره { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } يعني إذا اقتضت المصلحة أجابتكم وكل من يسأل الله شيئاً ويدعوه فلا بدَّ أن يشترط المصلحة في ذلك إما لفظاً أو إضماراً وإلا كان قبيحاً لأنه ربما كان داعياً بما يكون فيه مفسدة ولا يشترط انتفاؤها فيكون قبيحاً. وقيل: معناه وحّدوني واعبدوني أثبكم عن ابن عباس ويدلُّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"الدعاء هو العبادة" ولما عبَّر عن العبادة بالدعاء جعل الإِثابة استجابة ليتجانس اللفظ.
{ إن الذين يستكبرون عن عبادتي } ودعائي { سيدخلون جهنم داخرين } أي صاغرين ذليلين وفي الآية دلالة على عظم قدر الدعاء عند الله تعالى وعلى فضل الانقطاع إليه. وقد روى معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) جعلني الله فداك ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعاً كان أحدهما أكثر صلاة والآخر دعاء فأيّهما أفضل قال: كل حسن قلت: قد علمت ولكن أيُّهما أفضل. قال: أكثرهما دعاء أما تسمع قول الله تعالى { ادعوني أستجب لكم } إلى آخر الآية. وقال: هي العبادة الكبرى وروى زرارة عن أبي جعفر (ع) في هذه الآية قال: هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء. وروى حنان بن سدير عن أبيه. قال: قلت لأبي جعفر أي العبادة أفضل؟ قال: ما من شيء أحبُّ إلى الله من أن يسأل ويطلب ما عنده وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده.