خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ
١٦
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٧
وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ
١٨
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
١٩
حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٠
-فصلت

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو جعفر وابن عامر وأهل الكوفة نحسات بكسر الحاء والباقون نحسات بسكونها وقرأ نافع ويعقوب نحشر بالنون أعداء الله بالنّصب والباقون يحشر بالياء على ما لم يسمّ فاعله أعداء الله بالرفع.
الحجة: قال أبو علي: النحس يكون على ضربين أحدهما: أن يكون اسماً والآخر: أن يكون وصفاً ممّا جاء فيه اسماً مصدراً قوله في يوم نحس مستمرّ فالإضافة إليه يدلّ على أنّه اسم ليس بوصف لا يضاف إليه الموصوف وقال المفسّرون في نحسات قولين أحدهما: الشديدة البرد والآخر: أنها المشؤومة عليهم فتقدير قوله في يوم نحس في يوم مشؤوم وقالوا يومٌ نحسٌ ويوم نحس فمن أضافه كان مثل ما في التنزيل ومن أجراه على الأول احتمل أمرين أحدهما: أن يكون وصفاً مثل فَسْل ورَذْل والآخر: أن يكون مصدراً وصف به نحو رجل عدل فمن قرأ في أيّام نحسات فأسكن الحاء أسكنها لأنّه صفة مثل عَبْلات وصعبات ويجوز أن يكون جمع المصدر وتركه على إسكانه في الجمع كما قالوا زورة عدلة. قال أبو الحسن: لم أسمع في النحس إلاّ الإسكان. وقال أبو عبيدة: نحسات ذوات نحس فيمكن أن يكون من كسر العين جعله صفة من باب فرق ونزق وجمع على ذلك ومن قرأ نحشر أعداء الله فحجّته أنّه معطوف على قوله ونجّينا ويقوّيه قوله
{ { يوم نحشر المتّقين إلى الرحمن وفداً } [مريم: 85] ومن قرأ يحشر فبنى الفعل للمفعول به يقوّيه قوله فهم يوزعون وكلا الأمرين حسن.
اللغة: اشتقاق الصّرصر من الصّرير ضوعف اللفظ إشعاراً بمضاعفة المعنى يقال صرّ يصرّ صريراً وصرصر يصرصر صرصرة وريح صرصر شديدة الصوت وأصله صرّر ثم قلبت الراء صاداً كما يقال نهنهه ونههّه وكفكفه وكفّفه قال النابغة:

أُكَفْكِفُ عَبْرَةً غَلَبَتْ عَزائي إِذا نَهْنَهْتُهـا عـــادَت ذُباحا

الخزي: الهوان الذي يستحيي من مثله خوفاً من الفضيحة والهون: الهوان والوزع: المنع والكفّ ومنه قول الحسن: لا بدّ للناس من وَزَعة.
الإعراب: قوله: ويوم يحشر انتصب الظرف بمدلول قوله فهم يوزعون لأنّ يوماً بمنزلة إذا ولا ينتصب بقوله ونجّينا الذين آمنوا لأنّه ماضٍ وقوله ويوم يحشر مستقبل فلا يعمل فيه الماضي.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن إهلاكهم بقوله { فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً } أي عاصفاً شديدة الصوت من الصّرة وهي الصيحة. وقيل: هي الباردة من الصّر وهو البرد عن ابن عباس وقتادة. وقال الفرّاء: هي الباردة تحرق كما تحرق النار { في أيّام نحسات } أي نكدات مشؤومات ذوات نحوس عن مجاهد وقتادة والسُدّي والنحس سبب الشر والسعد سبب الخير وبذلك سمّيت سعود النجوم ونحوسها. وقيل: نحسات ذوات غبار وتراب حتى لا يكاد يبصر بعضهم بعضاً عن الجبائيّ. وقيل: نحسات باردات والعرب تسمّي البرد نحساً عن أبي مسلم.
{ لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } أي فعلنا ذلك بهم لنذيقهم عذاب الهون والذلّ وهو العذاب الذي يجزون في الدنيا فيوقنوا بقوّة معذّبهم وبقدرته عليهم ويظهر ذلك لمن رأى حالهم { ولعذاب الآخرة أخزى } وأفضح من ذلك { وهم لا ينصرون } أي لا يدفع عنهم العذاب الذي ينزل بهم.
ثمّ ذكر قصّة ثمود فقال { وأمّا ثمود فهديناهم } أي بيّنا لهم سبيل الخير والشر عن قتادة. وقيل: دللناهم وبيّنا لهم الحق عن ابن عباس والسدي وابن زيد { فاستحبّوا العمى على الهدى } فاختاروا العمى في الدين على قبول الهدى وبئس الاختيار ذلك عن الحسن. وقيل: اختاروا الكفر على الإيمان عن ابن زيد والفرّاء { فأخذتهم صاعقة العذاب الهون } أي ذي الهون وهو الذي يهينهم ويخزيهم. وقد قيل: إنّ كلّ عذاب صاعقة لأنّ كلّ من يسمعها يصعق لها { بما كانوا يكسبون } من تكذيبهم صالحاً وعقرهم الناقة.
{ ونجّينا الذين آمنوا وكانوا يتقون } الشرك أي ونجّينا صالحاً ومن آمن به من العذاب ثم أخبر سبحانه عن أحوال الكفار يوم القيامة فقال { ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون } أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ولا يتفرّقوا والمعنى إذا حشروا وقفوا { حتى إذا ما جاؤوها } أي جاؤوا النار التي حشروا إليها { شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون } أي شهد عليهم سمعهم بما قرعه من الدعاء إلى الحق فأعرضوا عنه ولم يقبلوه وأبصارهم بما رأوا من الآيات الدالّة على وحدانيّة الله فلم يؤمنوا وسائر جلودهم بما باشروه من المعاصي والأفعال القبيحة.
وقيل: في شهادة الجوارح قولان أحدهما: أنّ الله تعالى يبنيها بُنية الحيّ ويلجؤها إلى الاعتراف والشهادة بما فعله أصحابه والآخر: أنّ الله يفعل فيها الشهادة وإنما أضاف الشهادة إليها مجازاً. وقيل: في ذلك أيضاً وجه ثالث: وهو أنّه يظهر فيها أمارات دالّة على كون أصحابها مستحقّين للنّار فسمّى ذلك شهادة مجازاً كما يقال عيناك تشهدان بسهرك. وقيل: إنّ المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن عباس والمفسّرين