خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ
٣١
نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ
٣٢
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٣٣
وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
٣٤
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
٣٥
-فصلت

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: نزلاً نصب على المصدر وتقديره أنزلكم ربّكم فيما تشتهون نزلاً ويجوز أن يكون نصباً على الحال وتقديره ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم منزلاً نزلاً كما يقال جاء زيد مشياً أي ماشياً والقولان جميعاً يرجعان إلى كونه مصدراً وقال أبو علي نزلاً يحتمل ضربين أحدهما: أن يكون جمع نازل كقوله:

إنْ تَرْكَبُوا فَرُكُوبُ الْخَيْلِ عادَتُنا أوْ تَنْزِلُــون فِإنَّــا مَعْشَـرٌ نُــزُلُ

ويكون حالاً من الضمير في تدّعون أي ما تدّعون نُزُلاً من غفور رحيم نازلين والآخر: أن يراد به القوت الذي يقام للنازل أو الضيف حالاً ممّا تدّعون أي لكم ما تدّعون نزلاً من غفور رحيم صفة نزل وفيه ضمير يعود إليه وقولاً نصب على التفسير وقوله ولا السيئة لا ها هنا زائدة مؤكّدة لتبعيد المساواة.
المعنى: ثمّ حكى سبحانه أنّ الملائكة تقول للمؤمنين الذين استقاموا بعد البشارة: { نحن أولياؤكم } أي نحن معاشر الملائكة أنصاركم وأحبّاؤكم { في الحياة الدنيا } نتوّلى إيصال الخيرات إليكم من قبل الله تعالى { وفي الآخرة } فلا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة عن مجاهد. وقيل: كنّا نتولّى حفظكم في الدنيا بأنواع المعونة وفي الآخرة نتولاّكم بأنواع الإكرام والمثوبة. وقيل: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا أي نحرسكم في الدنيا وعند الموت وفي الآخرة عن أبي جعفر (ع) { ولكم فيها } أي في الآخرة { ما تشتهي أنفسكم } من الملاذّ وتتمنّونه من المنافع { ولكم فيها ما تدّعون } أنّه لكم فإنّ الله سبحانه يحكم لكم بذلك. وقيل: إنّ المراد بقوله { ما تشتهي أنفسكم } البقاء لأنّهم كانوا يشتهون البقاء في الدنيا أي لكم فيها ما كنتم تشتهون من البقاء ولكم فيها ما كنتم تتمنّونه من النعيم عن ابن زيد.
{ نزلاً من غفور رحيم } معناه أنّ هذا الموعود به مع جلالته في نفسه له جلالة بمعطية إذ هو عطاء لكم ورزق يجري عليكم ممّن يغفر الذنوب ويستر العيوب رحمةً منه لعباده فهو أهنأ لكم وأكمل لسروركم قال الحسن أرادوا أن جميع ذلك من الله وليس منّا وفي هذه الآية بشارة للمؤمنين بمودّة الملائكة لهم وفيها بشارة بنيل مشتهياتهم في الجنة وفيها دلالة على أنّ الملائكة تتردّد إلى من كان مستقيماً على الطاعات وعلى شرف الاستقامة أيضاً تتولّى الملائكة صاحبها من أجلها.
{ ومن أحسن قولاً ممّن دعا إلى الله وعمل صالحاً } صورته صورة الاستفهام والمراد به النفي تقديره وليس أحد أحسن قولاً ممّن دعا إلى طاعة الله وأضاف إلى ذلك أن يعمل الأعمال الصالحة { وقال إنّني من المسلمين } أي ويقول مع ذلك إنّني من المستسلمين لأمر الله المنقادين إلى طاعته وقيل: معناه ويقول إنّني من جملة المسلمين كما قال إبراهيم
{ { وأنا أول المسلمين } [الأنعام: 163] وهذا الداعي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن وابن زيد والسدّي. وقيل: هو وجميع الأئمّة الدعاة الهداة إلى الحقّ وجماعة من المفسّرين. وقيل: هم المؤذنون عن عائشة وعكرمة وفي هذه الآية ردّ على من قال أنا مؤمن إن شاء الله لأنه مدح من قال إنَّني من المسلمين من غير أن يقرنه بالمشيئة.
وفي هذه الآية دلالة على أن الدعاء إلى الدين من أعظم الطاعات وأجلّ الواجبات وفيها دلالة على أنّ الداعي يجب أن يكون عاملاً بعلمه ليكون الناس إلى القبول منه أقرب وإليه أسكن.
ثم قال سبحانه { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة }. قيل: معناه لا تستوي الملّة الحسنة التي هي الإسلام والملّة السّيئة التي هي الكفر. وقيل: معناه لا تستوي الأعمال الحسنة ولا الأعمال القبيحة وقيل: لا تستوي الخصلة الحسنة والسّيئة فلا يستوي الصبر والغضب والحلم والجهل والمداراة والغلظة والعفو والإساءة.
ثم بيّن سبحانه ما يلزم على الداعي من الرفق بالمدعوّ فقال { ادفع بالتي هي أحسن } خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ادفع بالتي هي أحسن خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادفع بحقك باطلهم وبحلمك جهلهم وبعفوك إساءتهم { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم } معناه فإنك إذا دفعت خصومك بلين ورفق ومداراة صار عدّوك الذي يعاديك في الدين بصورة وليّك القريب فكأنّه وليّك في الدين وحميمك في النسب وروي عن أبي عبد الله (ع) أنّ الحسنة التقية والسّيئة الإذاعة.
{ وما يلقاها } أي وما يلقّى هذه الفعلة وهذه الحالة التي هي دفع السّيئة بالحسنة { إلا الذين صبروا } على كظم الغيظ واحتمال المكروه. وقيل: إلا الذين صبروا في الدنيا في الأذى عن أبي عبد الله (ع) { وما يلقاها } أي وما يلقّى هذه الخصلة المذكورة ولا يؤتاها { إلا ذو حظ عظيم } أي ذو نصيب وافر من الرأي والعقل. وقيل: إلا ذو نصيب عظيم من الثواب والخير وقيل: الحظ العظيم الجنة عن قتادة وما يلقّاها إلا من وجبت له الجنة وروي عن أبي عبد الله (ع) وما يلقّاها إلا كلّ ذي حظّ عظيم.
النظم: اتّصل قوله ومن أحسن قولاً ممّن دعا إلى الله الآية بما قبله من قوله { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه } الآية فكأنّه قال ألا تتعجّبون من إعراض الكفار عن استماع القرآن وتواصيهم فيما بينهم باللغو في قراءته ولا قائل أحسن قولاً من محمّد صلى الله عليه وسلم يدعوكم إلى من تقرّون أنّه خالقكم ثم إنّه قد عمل في دينه بما دعاكم إليه فانتفت عنه التهمة من جميع الوجوه.