خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢١
تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
٢٢
ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
٢٣
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٢٤
وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
٢٥
-الشورى

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف يبشر الله بفتح الياء وسكون الباء وضمّ الشين والباقون يبشّر الله بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين مشدّدة وقرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ويعلم ما تفعلون بالتاء على الخطاب والباقون بالياء.
الإعراب: ذلك الذي يبشّر الله عباده تقديره الذي يبشّر الله به عباده فحذف الباء ثم حذف الهاء ويجوز أن يكون الذي حكمه حكم ما التي تكون مصدرية أي ذلك تبشير الله عباده ويمح الله الباطل ليس بمعطوف على يختم لأنّ محو الباطل واجب فلا يكون معلّقاً بالشرط.
المعنى: لمّا أخبر الله سبحانه أنّ من يطلب الدنيا بأعماله فلا حظّ له في خير الآخرة قال { أم لهم شركاء } أي بل لهؤلاء الكفار شركاء فيما كانوا يفعلونه { شرعوا لهم } أي بيّنوا لهم ونهجوا لهم { من الدين ما لم يأذن به الله } أي ما لم يأمر به الله ولا أذن فيه أي شرعوا لهم ديناً غير دين الإسلام عن ابن عباس { ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم } أي لولا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب لهذه الأمة إلى الآخرة لفرغ من عذاب الذين يكذّبونك في الدنيا { وإنّ الظالمين } الذين يكذّبونك { لهم عذاب أليم } في الآخرة.
{ ترى الظالمين مشفقين } أي خائفين { ممّا كسبوا } أي من جزاء ما كسبوا من المعاصي وهو العقاب الذي استحقّوه { وهو واقع بهم } لا محالة لا ينفعهم منه خوفهم من وقوعه والإِشفاق الخوف من جهة الرّقة على المخوف عليه من وقوع الأمر { والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات } فالروضة الأرض الخضرة بحسن النبات والجنة الأرض التي يحفّها الشجر { لهم فيها ما يشاؤون عند ربهم } أي لهم ما يتمنّون ويشتهون يوم القيامة الذي لا يملك فيه الأمر والنهي غير ربهم ولا يريد بعند قرب المسافة لأنّ ذلك من صفات الأجسام. وقيل: عند ربهم أي في حكم ربهم { ذلك هو الفضل الكبير } أي ذلك الثواب هو الفضل العظيم من الله إذ نالوا نعيماً لا ينقطع بعمل قليل منقطع.
ثم قال { ذلك } الفضل الكبير { الذي يبشّر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ليستعجلوا بذلك السرور في الدنيا من شدّد الشين أراد به التكثير ومن خفّف فلأنّه يدل على القليل والكثير.
ثمّ قال سبحانه { قل } لهم يا محمد { لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى } اختلف في معناه على أقوال أحدها: لا أسألكم على تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة أجراً إلا التوادّ والتحابّ فيما يقرّب إلى الله تعالى من العمل الصالح عن الحسن والجبائي وأبي مسلم قالوا هو التقرّب إلى الله تعالى والتودّد إليه بالطاعة وثانيها: أن معناه إلا أنّ تودّوني في قرابتي منكم وتحفظوني لها عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وجماعة قالوا وكل قريش كانت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة وهذا لقريش خاصة والمعنى إن لم تودّوني لأجل النبوّة فودّوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم وثالثها: أنّ معناه إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم عن علي بن الحسين (ع) وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وجماعة وهو المروي عن ابن جعفر وأبي عبد الله (ع).
وأخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قال أخبرنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثني القاضي أبو بكر الحميري قال أخبرنا أبو العباس الضبعي قال أخبرنا الحسن بن علي بن زياد السري قال أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا حسين الأشتر قال أخبرنا قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير
"عن ابن عباس قال: لمّا نزلت قل لا أسألكم عليه أجراً الآية قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودّتهم قال: عليّ وفاطمة وولدهما" .
وأخبرنا السيد أبو الحمد قال أخبرنا الحاكم أبو القاسم بالإِسناد المذكور في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل مرفوعاً إلى أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتّى وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ عنها هوى ولو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشنّ البالي ثم لم يدرك محبّتنا كبّه الله على منخريه في النار" ثمّ تلا قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى وروى زاذان عن عليّ (ع) قال: فينا في آل حم آية لا يحفظ مودّتنا إلا كل مؤمن ثم قرأ هذه الآية وإلى هذا أشار الكميت في قوله:

وَجَدْنا لَكُمْ في آلِ حم آيةً تَأَوَّلَهـا مِنَّـا تَقِيّ وَمُعْرِبُ

وعلى الأقوال الثلاثة فقد قيل في إلاّ المودّة قولان: أحدهما: أنه استثناء منقطع لأنّ هذا ممّا يجب بالإِسلام فلا يكون أجراً للنبوة والآخر: أنّه استثناء متصل والمعنى لا أسألكم عليه أجراً إلا هذا فقد رضيت به أجراً كما أنك تسأل غيرك حاجة فيعرض المسؤول عليك برّاً فتقول له اجعل بري قضاء حاجتي وعلى هذا يجوز أن يكون المعنى لا أسألكم عليه أجراً إلا هذا ونفعه أيضاً عائد عليكم فكأنّي لم أسألكم أجراً كما مرّ بيانه في قوله { { قل ما أسألكم من أجر فهو لكم } [سبأ: 47].
وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدّثني عثمان بن عمير عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة واستحكم الإِسلام قالت الأنصار فيما بينها نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول له إن تَعْرُك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك فأتوه في ذلك فنزلت { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } فقرأ عليهم وقال تودّون قرابتي من بعدي فخرجوا من عنده مسلمين لقوله فقال المنافقون إنّ هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك أن يذلّلنا لقرابته من بعده فنزلت { أم يقولون افترى على الله كذباً } فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتدّ عليهم فأنزل الله { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } الآية فأرسل في أثرهم فبشّرهم وقال ويستجيب الذين آمنوا الذين سلّموا لقوله.
ثم قال سبحانه { ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً } أي ومن فعل طاعة نزد له في تلك الطاعة حسناً بأن نوجب له الثواب وذكر أبو حمزة الثمالي عن السدّي قال إنّ اقتراف الحسنة المودّة لآل محمد صلى الله عليه وسلم وصحّ عن الحسن بن علي (ع) أنّه خطب الناس فقال في خطبته: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلم فقال لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.
وروى إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال إنها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء { إن الله غفور شكور } أي غفور للسيئات شكور للطاعات يعامل عباده معاملة الشاكر في توفية الحق حتّى كأنّه ممّن وصل إليه النفع فشكره.
{ أم يقولون افترى على الله كذباً } أي بل يقولون افترى محمد على الله كذباً في ادعائه الرسالة عن الله { فإن يشأ الله يختم على قلبك } أي لو حدّثت نفسك بأن تفتري على الله كذباً لطبع الله على قلبك ولأنساك القرآن فكيف تقدر أن تفتري على الله وهذا كقوله
{ { لئن أشركت ليحبطنّ عملك } [الزمر: 65]. وقيل: معناه فإن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يشقّ عليك قولهم إنّه مفتر وساحر عن مجاهد ومقاتل فعلى هذا ألا يحتاج إلى إضمار وحذف.
ثم أخبر سبحانه أنه يذهب ما يقولونه باطلاً فقال { ويمح الله الباطل } أي يزيله ويرفعه بإقامة الدلائل على بطلانه وحذف الواو من يمحو في المصاحف كما حذف من قوله
{ { سندع الزبانية } [العلق: 18] على اللفظ في ذهابها لالتقاء الساكنين وليس بعطف على قوله يختم لأنه مرفوع يدلّ عليه قوله { ويحقّ الحق بكلماته } أي ويثبت الحقّ بأقواله التي ينزلها على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو هذا القرآن المعجز { إنه عليم بذات الصدور } أي بضمائر القلوب.
{ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } وإن جلّت معاصيهم فكأنّه قال من نسب محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الافتراء ثم تاب قبلت توبته وإن جلّت معصيته { ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون } من خير وشرّ فيجازيهم على ذلك.