خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٣٦
وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ
٣٧
وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣٨
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ
٣٩
وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
-الشورى

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم هنا وفي سورة والنجم كبير الإِثم على التوحيد والباقون كبائر الإِثم على الجمع.
الحجة: حجة الجمع قوله
{ { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } [النساء: 31] ومن قال كبير فأفرد جاز أن يريد به الجمع كقوله { { وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها } [النحل: 18] وفي الحديث: "منعت العراق درهمها وقفيزها" .
الإِعراب: وإذا ما غضبوا هم يغفرون يجوز أن يكون هم تأكيداً للضمير في غضبوا ويغفرون جواب إذا ويجوز أن يكون هم ابتداء ويغفرون خبره وكذا هم ينتصرون وإن شئت كان هم وصفاً للمنصوب قبله وإن شئت كان مبتدأ وقياس قول سيبويه أن يرتفع هم بفعل مضمر دلّ عليه هم ينتصرون.
المعنى: ثم خاطب سبحانه من تقدّم وصفهم فقال { فما أوتيتم من شيء } أي الذي أعطيتموه من شيء من الأموال { فمتاع الحياة الدنيا } أي فهو متاع الحياة الدنيا تتمتّعون به أيّاماً ثم تموتون فيبقى عنكم أن يهلك المال قبل موتكم { وما عند الله } من الثواب والنعيم وما أعدّه للجزاء على الطاعة { خير وأبقى } من هذه المنافع القليلة { للذين آمنوا } أي صدّقوا بتوحيد الله وبما يجب التصديق به { وعلى ربهم يتوكّلون } والتوكل على الله تفويض الأمور إليه باعتقاد أنها جارية من قبله على أحسن التدبير مع الفزع إليه بالدعاء من كل ما ينوب.
{ والذين يجتنبون كبائر الإثم } يجوز أن يكون موضع الذين جرّاً عطفا على قوله { للذين آمنوا } فيكون المعنى وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين المتوكلين على ربهم المجتنبين كبائر الإِثم { والفواحش } ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء ويكون الخبر محذوفاً فيكون المعنى والذين يجتنبون الكبائر والفواحش { وإذا ما غضبوا } ممّا يفعل بهم من الظلم { هم يغفرون } ويتجاوزون عنه لهم مثل ذلك والفواحش جمع فاحشة وهي أقبح القبيح والمغفرة في الآية المراد بها ما يتعلّق بالإِساءة إلى نفوسهم فمتى عفوا عنها كانوا ممدوحين فأمّا ما يتعلّق بحقوق الله وواجبات حدوده فليس للإِمام تركها ولا العفو عنها ولا يجوز له العفو عن المرتدّ وعمّن جرى مجراه.
ثم زاد سبحانه في صفاتهم فقال { والذين استجابوا لربّهم } أي أجابوه فيما دعاهم إليه من أمور الدين { وأقاموا الصلاة } أي أداموها في أوقاتها بشرائطها { وأمرهم شورى بينهم } يقال صار هذا الشيء شورى بين القوم إذا تشاوروا فيه وهو فعلي من المشاورة وهي المفاوضة في الكلام ليظهر الحقّ أي لا يتفرّدون بأمر حتى يشاوروا غيرهم فيه. وقيل: إنّ المعنيّ بالآية الأنصار كانوا إذا أرادوا أمراً قبل الإِسلام وقبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعوا وتشاوروا ثم عملوا عليه فأثنى الله عليهم بذلك. وقيل: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور النبي صلى الله عليه وسلم وورود النقباء عليه حتى اجتمعوا في دار أبي أيوب على الإِيمان به والنصرة له عن الضحاك وفي هذا دلالة على فضل المشاورة في الأمور وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال:
"ما من رجل يشاور أحداً إلا هدي إلى الرشد" { وممّا رزقناهم ينفقون } في طاعة الله تعالى وسبيل الخير.
{ والذين إذا أصابهم البغي } من غيرهم { هم ينتصرون } ممّن بغى عليهم من غير أن يعتدوا عن السدّي. وقيل: ينتصرون أي يتناصرون ينصر بعضهم بعضاً نحو يختصمون ويتخاصمون عن أبي مسلم. وقيل: يعني به المؤمنين الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم ثم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممّن ظلمهم عن عطاء. وقيل: جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون عمّن ظلمهم وهم الذين ذكروا قبل هذه الآية وهو قوله { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } وصنف ينتصرون ممّن ظلمهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية فمن انتصر وأخذ بحقه ولم يجاوز في ذلك ما حدّ الله فهو مطيع لله ومن أطاع الله فهو محمود عن ابن زيد.
ثم ذكر سبحانه حد الانتصار فقال { وجزاء سيّئة سيّئة مثلها } قيل هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله تقول أخزاك الله من غير أن تعتدي عن ابن نجيح والسدّي ومجاهد. وقيل: يعني القصاص في الجراحات والدماء عن مقاتل وسمّى الثانية سيّئة لأنها في مقابلة الأولى كما قال
{ { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [البقرة: 194] ثم ذكر سبحانه العفو فقال { فمن عفى وأصلح فأجره على الله } أي فمن عفا عمّا له المؤاخذة به وأصلح أمره فيما بينه وبين ربه فثوابه على الله { إنه لا يحبّ الظالمين } ثم بيّن سبحانه أنه لم يرغب المظلوم في العفو عن الظالم لميله إلى الظالم أو لحبّه إيّاه ولكن ليعرِضه بذلك لجزيل الثواب ولحبّه الإِحسان والفضل. وقيل: إنه لا يحبّ الظالم في قصاص وغيره بتعدّيه عما هو له إلى ما ليس له. وقيل: إن الآية الأولى عامّة في وجوب التناصر بين المسلمين وهذه الآية في خاصّة الرجل يجازي من ظلمه بمثل ما فعله أو يعفو وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقال العافون عن الناس فيدخلون الجنة بغير حساب" .