خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ
٢٢
فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ
٢٣
وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ
٢٤
كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
٢٥
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
٢٦
وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ
٢٧
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ
٢٨
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ
٢٩
-الدخان

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الرَهُو السهل الساكن يقال عيش راءٍ أي خافض وادع قال الشاعر:

يَمْشَيِنَ رَهْواً فَلا الأَعْجَازُ خاذِلَةٌ وَلاَ الصُّدُرُ عَلَى الأَعْجازِ تَتَّكِلُ

وقيل الرهو الدمث ليس برمل ولا حزن عن الأزهري يقال جاءت الخيل رَهْواً أي مسابقة قال ابن الأعرابي: الرهو من الطير والخيل السراع قال الشاعر:

طَيْراً رَأتْ بازِياً نَضْخُ الدِّماءِ بِهِ وَأُمُّـــهُ خَرَجَـــتْ رَهْــواً إلى عِيدِ

الإعراب: رهواً نصب على الحال من البحر ويكون حالاً بعد الفراغ من الفعل كقولهم قطعت الثوب قباء وهذا يدلّ على أنّ البحر كان قبل تركه وبعد تركه رهواً وكم في قوله كم تركوا في موضع نصب بأنه صفة موصوف محذوف وهو مفعول تركوا وتقديره شيئاً كثيراً تركوا كذلك خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك.
المعنى: ثمّ ذكر سبحانه تمام قصّة موسى بأن قال { فدعا ربّه } أي فدعا موسى ربّه حين يئس من قومه أن يؤمنوا به فقال { إنّ هؤلاء قوم مجرمون } أي مشركون لا يؤمنون عن الكلبي ومقاتل فكأنّه قال اللهم عجّل لهم مما يستحقّونه بكفرهم ما يكونون به نكالاً لمن بعدهم وما دعا عليهم إلا بعد أن أذن له في ذلك وقوله { فأسر بعبادي ليلاً } الفاء وقعت موقع الجواب والتقدير فأجيب بأن قيل له فأسر بعبادي أمره سبحانه أن يسير بأهله وبالمؤمنين به ليلاً حتى لا يردّهم فرعون إذا خرجوا نهاراً وأعلمه بأنّه سيتبعهم فرعون بجنوده بقوله { إنّكم متّبعون واترك البحر رهواً } أي ساكناً على ما هو به إذا قطعته وعبرته وكان قد ضربه بالعصا فانفلق لبني إسرائيل فأمره الله سبحانه أن يتركه كما هو ليغرق فرعون وقومه عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: رهواً أي منفتحاً منكشفاً حتى يطمع فرعون في دخوله عن أبي مسلم قال قتادة: لما قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده فقيل له واترك البحر رهواً أي كما هو طريقاً يابساً { إنّهم جند مغرقون } سيغرقهم الله تعالى.
ثم أخبر سبحانه عن حالهم بعد إهلاكهم فقال { كم تركوا من جنات } رائعة { وعيون } جارية { وزروع } كثيرة { ومقام كريم } أي مجالس شريفة ومنازل خطيرة. وقيل: هي المناظر الحسنة ومجالس الملوك عن مجاهد. وقيل: منابر الخطباء عن ابن عباس. وقيل: المقام الكريم الذي يعطي اللذة كما يعطي الرجل الكريم الصلة عن علي بن عيسى.
{ ونعمة كانوا فيها فاكهين } أي وتنعم وسعة في العيش كانوا ناعمين متمتعين كما يتمتع الآكل بأنواع الفواكه { كذلك } قال الكلبي معناه كذلك أفعل بمن عصاني { وأورثناها قوماً آخرين } إيراث النعمة تصييرها إلى الثاني بعد الأول بغير مشقّة كما يصير الميراث إلى أهله على تلك الصفة فلما كانت نعمة قوم فرعون وصلت بعد هلاكهم إلى غيرهم كان ذلك إيراثاً من الله لهم وأراد بقوم آخرين بني إسرائيل لأنّهم رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون.
{ فما بكت عليهم السماء والأرض } اختلف في معناه على وجوه أحدها: أنّ معناه لم تبك عليهم أهل السماء والأرض لكونهم مسخوطاً عليهم عن الحسن فيكون مثل قوله حتى تضع الحرب أوزارها أي أصحاب الحرب ونحوه قول الحطيئة:

وَشَــرُّ المَنَايَــا مَيّــتٌ وَسْـطَ أَهْلِــهِ كَهُلْكِ الفَتَى قَدْ أَسْلَمَ الْحَيَّ حاضِرُهُ

وَشَرُّ المنايا ميتة ميّت وقال ذو الرمة:

لَهُمْ مَجْلِسٌ صُهْبُ السِبالِ أَذِلَّةٌ سَواسِيَــةٌ أَحْــرارُها وَعَبِيدُها

أي لهم أهل مجلس وثانيها: أنه سبحانه أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر فإنّ العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت بكاه السماء والأرض وأظلم لفقده الشمس والقمر قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز:

الشَّمْــسُ طالِعَــةٌ لَيْسَتْ بكاسِفَةٍ تَبْكي عَلَيْكَ نُجُومُ اللَّيْل والقَمَرا

أي ليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر لأن عظم المصيبة قد سلبها ضوءها وقال النابغة:

تَبْــدُو كَواكِبُــهُ وَالشَّمْسُ طالِعَةٌ لاَ النُّورُ نُورٌ وَلاَ الإِظْلامُ إظْلامُ

وثالثها: أن يكون ذلك كناية عن أنه لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يرفع منها إلى السماء، وقد روي عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية فقيل وهل يبكيان على أحد قال: نعم مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مؤمن إلاّ وله باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه " فعلى هذا يكون معنى البكاء الإخبار عن الاختلال بعده كما قال مزاحم العقيلي:

بَكَـتْ دارُهُــمْ مِنْ أَجلِهِـمْ فَتَهلَّلَت دُمُــوعِي فَأَيَّ الجــازِعَيْـــنِ أَلُـومُ
أَمُسْتَعَبِراً يَبْكي مِنَ الهُونِ وَالبِلى أَمْ آخَـــرَ يَبْكـي شَجْـــوَهُ وَيَهِيــمُ

وقال السدّي لَمّا قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) بكت السماء عليه وبكاؤها حمرة أطرافها وروى زرارة بن أعين عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي عليهما السلام أربعين صباحاً ولم تبك إلاّ عليهما قلت وما بكاؤها؟ قال: كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء { وما كانوا منظرين } أي عوجلوا بالعقوبة ولم يمهلوا.