خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ
١١
إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ
١٢
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ
١٣
أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ
١٤
مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ
١٥
-محمد

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير آسن مقصوراً والباقونه آسن بالمد وقرأ علي (ع) وابن عباس أمثال الجنة على الجمع.
الحجة: قال أبو زيد: يقال أسن الماء يأسُنُ أُسُوناً إذا تغير وأسن الرجل يأسَن أَسناً إذا غشي عليه من ريح خبيثة وربما مات منها قال:

أَلتَّــارِك الْقِـــرْنِ مُصْفـــرّاً أَناملُهُ تَميلُ في الرُّمح ميل المائِحِ الأَسِنِ

قال أبو عبيدة الأسِن المتغير فحجة ابن كثير أن اسم الفاعل من فَعَل يفعل على فعل وقال أبو الحسن أَسِن إنما هو للحال التي يكون عليها ومن قرأ آسن على فاعل فإنما يريد أن ذلك لا يصير إليه فيما يستقبل وقوله أمثال الجنة فيه دليل على أن القراءة العامة التي هي مثل في معنى الكثرة لما فيه من معنى المصدرية.
اللغة: المثوى المنزل من قولهم ثوى بالمكان ثواء إذا أقام به ويقال للمرأة أم المثوى أي ربّة المنزل والمثل والمثل بمعنى مثل الشِبه والشَبَه والبدْل والبَدَل والأمعاء جمع مَعى وفي الحديث:
"المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء" وفيه وجوه من التأويل أحدها: أنه قال علي (ع): في رجل معينَ والثاني: أن المعنى يأكل المؤمن فيسمي الله تعالى فيبارك في أكله والثالث: أن المؤمن يضيّق عليه في الدنيا والكافر يصيب منها والرابع: أنه مَثَل لزهد المؤمن في الدنيا وحرص الكافر عليها وهذا أحسن الوجوه.
الإعراب: قال الزجاج: مثل الجنة مبتدأ وخبره محذوف تقديره مثل الجنة التي وعد المتقون مما قد عرفتموه من الدنيا جنة فيها أنهار إلى آخره وقوله كمن هو خالد في النار تقديره أفمن كان على بيّنة من ربه وأعطي هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار.
المعنى: ثم قال سبحانه { ذلك } أي الذي فعلناه في الفريقين { بأن الله مولى الذين آمنوا } يتولى نصرهم وحفظهم ويدفع عنهم { وأن الكافرين لا مولى لهم } ينصرهم ولا أحد يدفع عنهم لا عاجلاً ولا آجلاً.
ثم ذكر سبحانه حال الفريقين فقال { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } أي من تحت أشجارها وأبنيتها { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام } أي سيرتهم سيرة الأنعام آثروا لذّات الدنيا وشهواتها وأعرضوا عن العبر يأكلون للشبع ويتمتعون لقضاء الوطر { والنار مثوى لهم } أي موضع مقامهم يقيمون فيها.
ثم خوّفهم وهدّدهم سبحانه فقال { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك } يا محمد يعني مكة { التي أخرجتك } أي أخرجك أهلها والمعنى كم من رجال هم أشد من أهل مكة ولهذا قال { أهلكناهم } فكنّى عن الرجال عن ابن عباس { فلا ناصر لهم } يدفع عنهم إهلاكنا إياهم والمعنى فمن الذي يؤمّن هؤلاء أن أفعل بهم مثل ذلك.
ثم قال سبحانه على وجه التهجين للكفار والمنافقين { أفمن كان على بيّنة من ربّه } أي على يقين من دينه حجّة واضحة من اعتقاده في التوحيد والشرائع { كمن زيّن له سوء عمله } زيّن له الشيطان المعاصي وأغواه { واتّبعوا أهواءهم } أي شهواتهم وما تدعوهم إليه طباعهم وهو وصف لمن زيّن له سوء عمله وهم المشركون. وقيل: هم المنافقون عن ابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر (ع).
ثم وصف الجنات التي وعدها المؤمنين بقوله { مثل الجنة التي وعد المتقون } تقدم تفسيره في سورة الرعد { فيها أنهار من ماء غير آسن } أي غير متغير لطول المقام كما تتغير مياه الدنيا { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } فهو غير حامض ولا قارص ولا يعتريه شيء من العوارض التي تصيب الألبان في الدنيا { وأنهار من خمر لذة للشاربين } أي لذيذة يلتذّون بشربها ولا يتأذّون بها ولا بعاقبتها بخلاف خمر الدنيا التي لا تخلو من المزازة والسكر والصداع { وأنهار من عسل مصفى } أي خالص من الشمع والرغوة والقذى ومن جميع الأذى والعيوب التي تكون لعسل الدنيا.
{ ولهم فيها من كل الثمرات } أي مما يعرفون اسمها ومما لا يعرفون اسمها مبرّأة من كل مكروه يكون لثمرات الدنيا { ومغفرة من ربهم } أي ولهم مع هذا مغفرة من ربّهم وهو أنه يستر ذنوبهم وينسيهم سيّئاتهم حتى لا يتنغص عليهم نعيم الجنة { كمن هو خالد في النار } أي من كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار { وسقوا ماء حميماً } شديد الحر { فقطع أمعاءهم } إذا دخل أجوافهم. وقيل: إن قوله كمن هو خالد في النار معطوف على قوله { كمن زين له سوء عمله } أي كمن زين له سوء عمله ومن هو خالد في النار فحذف الواو كما يقال قصدني فلان شتمني ظلمني.