خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ
٢٦
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ
٢٧
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ
٢٨
أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
٢٩
وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ
٣٠
-محمد

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر إسرارهم بالكسر والباقون أسرارهم بالفتح.
الحجة: قال أبو علي: حجة من قرأ أسرارهم أنه لما كان مصدراً فرد ولم يجمع ويقوّي الأفراد قوله
{ { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم } [التوبة: 78] فكما أفرد السر ولم يجمع كذلك قال أسرارهم ومن فتح الهمزة جعله جمع سر فكأنه جمع لاختلاف ضروب السر وجميع الأجناس يحسن جمعها مع الاختلاف وقد جاء سرهم في قوله { يعلم سرهم } على ما عليه معظم المصادر لأنّه يتناول جميع ضروبه فأفرد مرة وجمع أخرى.
اللغة: الأضغان جمع الضغن وهو الحقد واللحن أصله أزالة الكلام عن جهته ثم إنه يستعمل على وجهين في الصواب والخطأ أما في الصواب فمعناه الكناية عن الشيء والعدولِ عن الإفصاح عنه قال الشاعر:

وَلَقَدْ وَحَيْتُ لَكُمْ لِكَيْلا تَفْطُنُوا وَلَحنْــتُ لَحْناً لَيْسَ بِالمُرتابِ

وقيل اللحن هي الفطنة وسرعة الفهم والفاعل منه لحن يلحن فهو لحن إذا فطن ومنه الحديث: "لعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض" أي أفطن لها وأغرض بها ومنه قول الشاعر:

مَنْطِقٌ صائِبٌ وَتَلْحَنُ أحْيا ناً وَخَيْــرُ الحَدِيثِ ما كــانَ لَحْنا

وإنما يسمى التعريض لَحْناً لأنه ذهاب بالكلام إلى خلاف جهته ومنه قول عمر تعلموا اللحن كما تتعلمون القرآن، وأما في الخطأ فإن اللحن إزالة الإعراب عن جهته والفعل منه لحن يلحن فهو لاحن.
المعنى: ثم بين سبحانه سبب استيلاء الشيطان عليهم فقال { ذلك } أي التسويل والإملاء { بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله } من القرآن وما فيه من الأمر والنهي والأحكام والمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنهم بنو أمية كرهوا ما نزل الله في ولاية علي بن أبي طالب (ع) { سنطيعكم في بعض الأمر } أي نفعل بعض ما تريدونه { والله يعلم إسرارهم } أي ما أسره بعضهم إلى بعض من القول وما أسروه في أنفسهم من الإعتقاد.
{ فكيف إذا توفتهم الملآئكة } أي فكيف حالهم إذا قبضت الملائكة أرواحهم وإنما حذف تفخيماً لشأن ما ينزل بهم في ذلك الوقت { يضربون وجوههم وأدبارهم } على وجه العقوبة لهم.
ثم ذكر الله سبحانه سبب نزول ذلك الضرب فقال { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله } من المعاصي التي يكرهها الله ويعاقب عليها { وكرهوا رضوانه } أي سبب رضوانه من الإيمان وطاعة الرسول { فأحبط الله أعمالهم } التي كانوا يعملونها من صلاة وصدقة وغير ذلك لأنها في غير إيمان.
ثم قال سبحانه { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم } أي أحقادهم على المؤمنين ولا يبدي عوراتهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
{ ولو نشآء لأريناكهم } بأعيانهم يا محمد حتى تعرفهم وهو قوله { فلعرفتهم بسيماهم } أي بعلاماتهم التي ننصبها لك لكي تعرفهم بها { ولتعرفنهم في لحن القول } أي وتعرفهم الآن في فحوى كلامهم ومعناه ومقصده ومغزاه لأنّ كلام الإنسان يدل على ما في ضميره وعن أبي سعيد الخدري قال لحن القول بغضهم علي بن أبي طالب (ع) قال وكنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغضهم علي بن أبي طالب (ع) وروي مثل ذلك عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعن عبادة بن الصامت قال كنا نبور أولادنا بحبّ علي (ع) فإذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا أنه لغير رَشْدَةٍ وقال أنس ما خفي منافق على عهد رسول الله بعد هذه الاية { والله يعلم أعمالكم } ظاهرها وباطنها.