خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
١٠٤
وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
١٠٥
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو ودارست وقرأ ابن عامر ويعقوب وسهيل درست بفتح السين وسكون التاء والباقون درست وفي قراءة عبد الله وأُبيّ درسَ أي ليقولوا درس محمد وروي عن ابن عباس والحسن دُرِسَتْ.
الحجة: من قرأ دارست فمعناه أنك دارست اهل الكتاب وذاكرتهم ويقويه قولـه
{ وأعانه عليه قوم آخرون } [الفرقان: 4] ومن قرأ درست فحجته أن ابن مسعود قرأ درس فأسند الفعل فيه إلى الغيبة كما أسند إلى الخطاب ومن قرأ دَرَسَتْ فهو من الدروس الذي هو تَعَفّي الأَثر أي انمحت ويكون اللام في ليقولوا على هذا بمعنى لكراهية أن يقولوا ولأَن يقولوا أنها أخْبار قد تقدمت فطال العهد بها وباد من كان يعرفها لأَن تلك الأخبار لا تخلو من خلل فإذا سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن فيه مطعن وأما على القراءتين الأَوليين فاللام في ليقولوا كالتي في قولـه { { ليكون لهم عدواً وحزناً } [القصص: 8] ولم يلتقطوه لذلك كما لم يصرف الآيات ليقولوا درستَ ودارستَ ولكن لما قالوا ذلك أطلق على هذا للاتساع وأما قراءة ابن عباس دُرِسَتْ ففيه ضمير الآيات ومعناه درستها انت يا محمد ويجوز أن يكون معناه عفت وتنوسيت فيكون كقولـه إن هذا إلا أساطير الأَولين.
اللغة: البصيرة البينة والدلالة التي يبصر بها الشيء على ما هو به والبصائر جمعها والبصيرة مقدار الدرهم من الدم والبصرة التُرس والبصيرة الثأر والدية قال الشاعر:

جاؤُا بَصائِرُهُمْ عَلى أكْتافِهِمْ وَبَصيرَتي يَعْدُو بِها عَتَدٌ وَأَيُّ

أي أخذوا الديات فصارت عاراً وبصيرتي على فرسي أطلب بها ثأري. وقيل: أراد ثقل دمائهم على أكتافهم لم يثأروا بها قال الأَزهري: البصيرة ما اعتقد في القلب من تحقيق الشيء والشقة تكون على الجنأ والأَبصار الإِدراك بحاسة البصر والدرس أصله استمرار التلاوة ودرس الأَثر دروساً إذا انمحى لاستمرار الزمان به ودرست الريح الأَثر دروساً محته باستمرارها عليه.
الإِعراب: كذلك موضع الكاف نصب منه بكونه صفة للمصدر أي تصريفاً مثل ذلك التصريف واللام في وليقولوا معطوف على محذوف تقديره ليجحدوا وليقولوا درست واللام لام العاقبة.
المعنى: ثُمَّ بَيَّن سبحانه أنه بعد هذه الآيات قد أزاح العلة للمكلفين فقال { قد جاءكم } أيها الناس { بصائر } بينات ودلالات { من ربكم } تبصرون بها الهدى من الضلال وتميزون بها بين الحق والباطل ووصف البينة بأنها جاءت تفخيماً لشأنها كما يقال جاءت العافية وانصرف المرض وأقبل السعد { فمن أبصر فلنفسه } أي من تبين هذه الحجج بأن نظر فيها حتى أوجبت له العلم فمنفعة ذلك تعود إليه ولِنفسه نَظَرَ { ومن عمي } فلم ينظر فيها وصدف عنها { فعليها } أي على نفسه وباله وبها أضر وإياها ضر فسمّي العلم والتبيين إبصاراً والجهل عمى مجازاً وتوسعاً وفي هذا دلالة على أن المكلفين مخيّرون في أفعالهم غير مجبرين.
ثم أمر سبحانه نبيّه بأن يقول لهم { وما أنا عليكم بحفيظ } أي لست أنا الرقيب على أعمالكم قال الزجاج: معناه لست آخذكم بالإِيمان أخذ الحفيظ عليكم والوكيل وهذا قبل الأَمر بالقتال فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال صار حفيظاً عليهم ومسيطراً على كل من تولى.
{ وكذلك } أي وكما صرفنا الآيات قبل { نصرف } هذه { الآيات } قال علي بن عيسى: والتصريف إجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة لتجتمع فيه وجوه الفائدة { وليقولوا درست } ذلك يا محمد أي تعلمته من اليهود قال الزجاج: وهذه اللام تسميها أهل اللغة لام الصيرورة أي أن السبب الذي أدّاهم إلى أن قالوا درست هو تلاوة الآيات وكذلك دارست أي دارست أهل الكتابين وقارأتهم وذاكرتهم عن الحسن ومجاهد والسدي وابن عباس { ولنبينه لقوم يعلمون } معناه لنبين الذي هذه الآيات دالة عليه للعلماء الذين يعقلون ما نورده عليهم وإنما خصهم بذلك لأَنهم انتفعوا به دون غيرهم.