خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ
٣٥
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
٣٦
وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٧
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: النفق سرب في الأَرض له مخلص إلى مكان آخر وأصله الخروج ومنه المنافق لخروجه من الإِيمان إلى الكفر ومنه النفقة لخروجها من اليد والسُلَّم الدرج وهو مأخوذ من السلامة قال الزجاج: لأَنه الذي يسلمك إلى مصعدك والاستجابة من الجوب وهو القطع وهل عندك جائبة خبر أي تجوب البلاد والفرق بين يستجيب ويجيب أن يستجيب فيه قبول لما دعي إليه وليس كذلك يجيب لأَنه يجوز أن يجيب بالمخالفة كما أن السائل يقول أتوافق في هذا المذهب أم تخالف فيقول المجيب أخالف عن علي بن عيسى. وقيل: إن أجاب واستجاب بمعنى.
الإِعراب: جواب إنْ محذوف وتقديره إن استطعت ذلك فافعل قال الفراء: وإنما تفعله العرب في كل موضع يعرف فيه معنى الجواب ألا ترى أنك تقول للرجل إن استطعت أن تتصدق إن رأيت أن تقوم مَعَنا فتترك الجواب للمعرفة به فإذا قلت إن تقم تصب خيراً فلا بد من الجواب لأن معناه لا يعرف إذا طرح الجواب.
المعنى: ثُمَّ بَيَّن سبحانه أن هؤلاء الكفار لا يؤمنون فقال مخاطباً لنبيّه صلى الله عليه وسلم { وإن كان كبر } أي عظم واشتد { عليك إعراضهم } وانصرافهم عن الإِيمان وقبول دينك وامتناعهم من اتباعك وتصديقك { فإن استطعت } أي قدرت وتهيأ لك { أن تبتغي } أي تطلب وتتخذ { نفقاً في الأَرض } أي سربا ومسكناً في جوف الأَرض { أو سلماً } أي مصعداً { في السماء } ودرجاً { فتأتيهم بآية } أي حجة تلجئهم إلى الإِيمان وتجمعهم على ترك الكفر فافعل ذلك. وقيل: فتأتيهم بآية أفضل مما آتيناهم به فافعل عن ابن عباس يريد لا آية أفضل وأظهر من ذلك.
{ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } بالإِلجاء وإنما أخبر عز اسمه عن كمال قدرته وأنه لو شاء لأَلجأهم إلى الإِيمان ولم يفعل ذلك لأَنه ينافي التكليف ويسقط استحقاق الثواب الذي هو الغرض بالتكليف وليس في الآية أنه سبحانه لا يشاء منهم أن يؤمنوا مختارين أو لا يشاء أن يفعل ما يؤمنون عنده مختارين وإنما نفى المشيئة لما يلجئهم إلى الإِيمان ليتبين أن الكفار لم يغلبوه بكفرهم فإنه لو أراد أن يحول بينهم وبين الكفر لفعل لكنه يريد أن يكون إيمانهم على الوجه الذي يستحق به الثواب ولا ينافي التكليف.
{ فلا تكونن من الجاهلين } قيل معناه فلا تجزع في مواطن الصبر فيقارب حالك حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم عن الجبائي. وقيل: إن هذا نفي للجهل عنه أي لا تكن جاهلاً بعد أن أتاك العلم بأحوالهم وأنهم لا يؤمنون والمراد فلا تجزع ولا تتحسر لكفرهم وإعراضهم عن الإِيمان وغلظ الخطاب تبعيداً وزجراً عن هذه الحال.
ثم بَيَّن سبحانه الوجه الذي لأَجله لا يجتمع هؤلاء الكفار على الإِيمان فقال { إنما يستجيب الذين يسمعون } ومعناه إنما يستجيب إلى الإِيمان بالله وما أنزل إليك من يسمع كلامك ويُصغي إليك وإلى ما تقرأه عليه من القرآن ويتفكر في آياتك فإن من لم يتفكر ولم يستدل بالآيات بمنزلة من لم يسمع كما قيل:

لَقَد أَسْمَعْتَ لَوْ نادَيْتَ حَيّاً وَلكِنْ لا حَياةَ لِمَنْ تُنادِي

وقال الآخر:

أصَمْ عما ساءه سميعُ

{ والموتى يبعثهم الله } يريد أن الذين لا يصغون إليك من هؤلاء الكفار ولا يتدبرون فيما تقرأه عليهم وتُبيّنه لهم من الآيات والحجج بمنزلة الموتى فكما أيِسْتَ أن تسمع الموتى كلامك إلى أن يبعثهم الله فكذلك فآيس من هؤلاء أن يستجيبوا لك وتقديره إنما يستجيب المؤمن السامع للحق فأما الكافر فهو بمنزلة الميت فلا يجيب إلى أن يبعثه الله يوم القيامة فيلجئه إلى الإِيمان. وقيل: معناه إنما يستجيب مَن كان قلبه حياً فأما من كان قلبه ميتاً فلا ثم وصف الموتى بأنه يبعثهم ويحكم فيهم.
{ ثم إليه } أي إلى حكمه { يرجعون }. وقيل: معناه يبعثهم الله من القبور ثم يرجعون إلى موقف الحساب.
ثم عاد سبحانه إلى حكاية أقوال الكفار فقال عاطفاً على ما تقدم { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه } هذا إخبار عن رؤساء قريش لمّا عجزوا من معارضته فيما أتى به من القرآن اقترحوا عليه مثل آيات الأَولين كعصا موسى وناقة ثمود فقال سبحانه في موضع آخر
{ { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب } [العنكبوت: 51] وقال ها هنا { قل } يا محمد { إن الله قادر على أن ينزل آية } أي آية تجمعهم على هدى عن الزجاج. وقيل: آية كما يسألونها { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ما في إنزالها من وجوب الاستئصال لهم إذا لم يؤمنوا عند نزولها وما في الاقتصار بهم على ما أوتوه من الآيات من المصلحة. وقيل: معناه ولكن أكثرهم لا يعلمون أنّ فيما أنزلنا من الآيات مقنعاً وكفاية لمن نظر وتدبر وقد اعترضت الملحدة على المسلمين بهذه الآية فقالوا إنها تدل على أن الله تعالى لم ينزل على محمد آية إذ لو نزلها لذكرها عند سؤال المشركين إياها فيقال لهم قد بيَّنا أنهم التمسوا آية مخصوصة وتلك لم يؤتوها لأَن المصلحة منعت عن إيتائها وقد أنزل الآيات الدالة على نبوته من القرآن وآتيتهم من المعجزات الباهرة التي شاهدوها ما لو نظروا فيها أو في بعضها حق النظر لعرفوا صدقه وصحة نبوته وقد بيّن في آية اخرى أنه لو أنزل عليهم ما التمسوه لم يؤمنوا فقال { { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } [الأنعام: 111] إلى قولـه { { ما كانوا ليؤمنوا } [الأنعام: 111] وفي موضع آخر { { وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إنما الآيات عند الله } [العنكبوت: 50] يعني في قدرة الله ينزل منها ما يشاء ويسقط ما اعترضوا به.