خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
٩١
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمر ويجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون بالياء فيها والباقون بالتاء في الجميع.
الحجة: من قرأ بالياء فلأن ما قبله وما قدروا الله على الغيبة ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب من قولـه: { قل } من أنزل الكتاب وقولـه فيما بعد: { وعلمتم ما لم تعلموا }
الإعراب: حقَّ قدره منصوب على المصدر تبدونها وتخفون كثيراً يجوز أن يكون صفة لقراطيس لأن النكرات توصف بالجُمل ويجوز أن يكون حالاً من ضمير الكتاب في تجعلونه على أن تجعل القراطيس الكتاب في المعنى لأنه مكتوب فيها وإنما رفع قولـه ينصبون لأنه لم يجعله جواباً لقولـه { ذرهم } ولو جعله جواباً لجزمه كما قال سبحانه:
{ { ذرهم يأكلوا } [الحجر: 3] وموضع يلعبون نصب على الحال والتقدير ذرهم لاعبين في خوضهم.
النزول:
"جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة إن الله سبحانه يبغض الحبر السمين" وكان سميناً فغضب وقال ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له أصحابه ويحك ولا موسى فنزلت الآية عن سعيد بن جبير.
وقيل: إن الرجل كان فنحاص بن عازورا وهو قائل هذه المقالة عن السدي. وقيل: إن اليهود قالت يا محمد أنزل الله عليك كتاباً قال: "نعم" قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً فنزلت الآية عن ابن عباس وفي رواية أخرى عنه أنها نزلت في الكفار أنكروا قدرة الله عليهم فمن أقرَّ أن الله على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره. وقيل: نزلت في مشركي قريش عن مجاهد.
المعنى: لمّا تقدم ذكر الأنبياء والنبوة عقَّبه سبحانه بالتهجين لمن أنكر النبوة فقال: { وما قدروا الله حق قدره } أي ما عرفوا الله حقَّ معرفته وما عظَّموه حقَّ عظمته وما وصفوه بما هو أهل أن يوصف به { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } أي ما أرسل الله رسولاً ولم ينزل على بشر شيئاً مع أن المصلحة والحكمة تقتضيان ذلك والمعجزات الباهرة تدلُّ على بعثة كثير منهم.
ثم أمر سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال: { قل } يا محمد لهم: { من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } يعني التوراة وإنما احتجَّ بذلك عليهم لأن القائل لذلك من اليهود ومن قال إن المعني بالآية مشركو العرب قال احتجَّ عليهم بالأمر الظاهر ثم بين أن منزلة محمد في ذلك كمنزلة موسى: { نوراً } أي يستضاء به في الدين كما يستضاء بالنور في الدنيا { وهدى للناس } أي دلالة يهتدون به { تجعلونه قراطيس } أي كتباً وصحفاً متفرقة وقال أبو علي الفارسي: معناه تجعلونه ذا قراطيس أي تودعونه إياها.
{ تبدونها وتخفون كثيراً } أي تبدون بعضها وتكتمون بعضها وهو ما في الكتب من صفات النبي صلى الله عليه وسلم والإشارة إليه والبشارة به { وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } قيل إنه خطاب للمسلمين يذكرهم ما أنعم به عليهم عن مجاهد. وقيل: هو خطاب لليهود أي علمتم التوراة فضيَّعتموه ولم تنتفعوا به. وقيل: معناه علمتم بالقرآن ما لم تعلموا عن الحسن:
{ قل } يا محمد: { الله } أي الله أنزل ذلك وهذا كما أن الإنسان إذا أراد البيان والاحتجاج بما يعلم أن الخصم مُقِرُّ به ولا يستطيع دفعه ذكر ذلك ثم تولى الجواب عنه بما قد علم أنه لا جواب له غيره { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } أي دعهم وما يختارونه من العناد وما خاضوا فيه من الباطل واللعب وليس هذا على إباحة ترك الدعاء والإنذار بل على ضرب من التوعد والتهدد كأنه قال دعهم فسيعلمون عاقبة أمرهم.