خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٩٩
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو بكر عن عاصم برواية أبي يوسف الأعشى والبرجمي وجناتٌ بالرفع وهو قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وعبد الله بن مسعود الأعمش ويحيى بن يعمر وقرأ الباقون وجنات على النصب وقرأ حمزة والكسائي وخلف ثُمُرِه بضمتين وكذلك كلوا من ثُمُرِه وفي سورة ياسين ليأكلوا من ثُمُرِه وقرأ الباقون ثَمَرِه بفتحتين في الجميع.
الحجة: من قرأ وجنات فإنه عطفها على قولـه خضراً أي فأخرجنا من الماء خضراً وجنات من أعناب ومن قرأ وجناتٌ بالرفع فإنه عطفها على قنوان لفظاً وإن لم يكن من جنسها كقول الشاعر:

متقلداً سيفاً ورمحاً

ومن قرأ إلى ثَمَره فالثَمَر جمع ثَمَرة مثل بَقَرة وبَقر وشجرة وشَجرْ ومن قرأ ثُمُره بضمتين فيحتمل وجهين أحدهما: أن يكون على ثمرة وثُمُر مثل خَشَبة وخُشُب وأكَمة وأُكُم قال الشاعر:

نَحْنُ الفَوارِسُ يَوْمَ دَيْسَقَةَ الْمَغَـ ـشُو الْكُماةِ غَوارِبَ الأُكُمِ

ونظيره من المعتل قارة وقُور وناقة وساحة وسُوح قال الشاعر:

وَكان سِيَّانِ أنْ لا يَسْرَحُوا نَعَماً أوْ يَسْرَحُوهُ بِها واغْبَرَّتِ السُّوحُ

والآخر أن يكون جمع ثِمار على ثُمُر فيكون ثُمُر جمع الجمع.
اللغة: خضر بمعنى أخضر يقال أخْضَرُّ فهو خضر وأخْضَر وأعْورَ فهو عَوِر وأعْوَرَ وفي الحديث:
" "إن الدنيا حلوة خضرة" " أي غضَّة ناعمة وذهب دمه خِضْراً أي باطلاً وأخذ الشيء خَضِراً مَضِراً أي مجاناً بغير ثمن. وقيل: غضّاً طريّاً وفلان أخضر الجلدة وأخضر المنكب أي ذو سعة وخصب وقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب:

وَأَنَا الأَخْضَرُ مَنْ يَعْرِفُنــــي أَخْضَرُ الجَلْدَةِ في بَيْتِ الْعَرَبْ
مَنْ يُساجِلْني يُساجِلْ ماجِــداً يَمْلأُ الدَّلْوَ إلى عَقْدِ الْكَــــــرَبْ
بِرَسُـــولِ اللهِ وابْنَـــيْ بِنْتِـــهِ وبِعَبّـــاسِ بْــــنِ عَبْدِ الْمُطَّلِــبْ

وكتيبة خضراء إذا كان عليها سواد الحديد والعرب تسمي الأسود أخضر ويسمى سواد العراق سواداً لكثرة خضرته ومتراكب متفاعل من الركوب وطَلْعُ النخل أول ما يبدو من ثمره وقد أطلع النخل والقنوان جمع قنو وهو العذق بكسر العين أي الكباسة والعذق بفتح العين النخلة وقِنوان بكسر القاف وضمّها لغتان بالياء لغة تميم ودانية قريبة المتناول والينع والنضج يقال ينع الثمر ينعاً وينعاً وأينع إذا أدرك قال الشاعر:

في قِبابٍ وَسْطَ دَسْكَرَةٍ حَوْلَها الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعا

وقيل أن الينع جمع مثل صاحب وصَحْب وتاجر وتَجْر.
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدَّم فقال: { وهو الذي أنزل من السماء ماء } يريد من السحاب والعرب تقول كلُّ ما علاك فأطلَّك فهو سماء { فأخرجنا به نبات كل شيء } والمعنى فأخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء من غذاء الأنعام والطير والوحش وأرزاق بني آدم ما يتغذُّون به ويأكلونه فينبتون عليه وينمون ويريد بنبات كل شيء ما ينبت به كل شيء وينمو عليه ويحتمل أن يكون المراد أخرجنا به من جميع أنواع النبات ليكون كل شيء هو أصناف النبات كقولـه:
{ { إنَّ هذا لهو الحق اليقين } [الواقعة: 95] عن الفراء والأول أحسن وإنما قال به لأنه سبحانه جعله سبباً مؤدياً إلى النبات لا مولداً له وقد كان يمكنه الإنبات بغيره فلا يقال أنه فعله بسبب مولد.
{ فأخرجنا منه } أي من الماء. وقيل: من النبات { خضراً } أي زرعاً رطباً أخضر وهو ساق السنبلة { نخرج منه } أي من ذلك الزرع الخضر { حبّاً متراكباً } قد تركب بعضه على بعض مثل سنبلة الحنطة والسمسم وغير ذلك.
{ ومن النخل } أي ونخرج من النخل { من طلعها قنوان } أي أعذاق الرطب: { دانية } أي قريبة المتناول ولم يقل ومنها قنوان بعيدة لأن في الكلام دليلاً على البعيدة السحيقة من النخل قد كانت غير سحيقة فاجتزأ بذكر القرينة عن ذكر السحيقة كما قال
{ سرابيل تقيكم الحرَّ } [النحل: 81] ولم يقل وسرابيل تقيكم البرد لأن في الكلام دليل على أنها تقي البرد لأن ما يستر عن الحر يستر عن البرد عن الزجاج. وقيل: دانية دنت من الأرض لكثرة ثمرها وثقل حملها وتقديره ومن النخل من طلعها ما قنوانه دانية وإنما خصَّ الطلع بالذكر لما فيه من المنافع والأغذية الشريفة التي ليست في أكمام الثمار.
{ وجنات من أعناب } يعني وأخرجنا به أيضاً جنات من أعناب أي بساتين ومن رفعه فتقديره ونخرج به جناتٌ من أعناب { والزيتون والرمان } أي فأخرجنا به الزيتون والرمان أي شجر الزيتون والرمان وقرن الزيتون والرمان لأنهما شجرتان تعرف العرب أو ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره قال الشاعر:

بُوْرِكَ المَيّتُ الْغَريبُ كَما بُو رِكَ نَضْجُ الرُّمَّانِ والزَّيْتُونِ

ومعناه أن ورقهما يشتمل على العود كله: { مشتبهاً وغير متشابه } أي مشتبهاً شجره يشبه بعضه بعضاً وغير متشابه في الطعم. وقيل: مشتبهاً ورقه مختلفاً ثمره عن قتادة. وقيل: مشتبهاً في الخلق مختلفاً في الطعم. وقيل: مشتبهاً ما كان من جنس واحد وغير متشابه إذا اختلف جنسه عن الجبائي. والأولى أن يقال أن جميع ذلك مشتبه من وجوه مختلف من وجوه فيدخل فيه جميع ما تقدم.
{ انظروا إلى ثمره إذا أثمر } أي انظروا إلى خروج الثمار نظر الاعتبار { وينعه } أي نضجه ومعناه انظروا من ابتداء خروجه إذا أثمر إلى انتهائه إذا أينع وأدرك كيف تنتقل عليه الأحوال في الطعم واللون والرائحة والصغر والكبر ليستدلُّوا بذلك على أن له صانعاً مدَبّراً.
{ إن في ذلكم لآيات } أي إن في خلق هذه الثمار والزروع مع إتقان جواهرها أجناساً مختلفة لا يشبه بعضها بعضاً لدلالات على أن لها خالقاً قصد إلى التمييز بينها قبل خلقها على علم بها وإنها تكوَّنت بخلقه وتدبيره { لقوم يؤمنون } لأنهم بها يستدلون وبمعرفة مدلولاتها ينتفعون.