خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ
١٨
ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٩
فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢١
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة الزهري مذوماً على تخفيف الهمزة وقرأ أبو جعفر وشيبة سوّاتهما بتشديد الواو وهو قراءة الحسن والزهري وقرأ ابن محيصن عن هذي الشجرة.
الحجة: الوجه في تحفيف السوآت أنه يحذف الهمزة ويلقي حركتها على الواو فيقال السوَة ومنهم من يقول السوَّة وهو أردأ اللغتين وأما هذي الشجرة فإنه الأَصل في الكلمة وإنما الهاء في هذه بدل من الياء في ذي وأما الياء اللاحقة بعد الهاء في هذه ونحوه فزائدة لحقت بعد الهاء تشبيهاً لها بهاء الإِضمار في نحو مررت بهي.
اللغة: الذام والذيم أشد العيب يقال ذامه يذامه ذاماً فهو مذؤوم وذامه يذيم ذيماً وذاما فهو مذيم قال الشاعر:

صَحِبْتُكَ إذْ عَيْني عَلَيْها غِشاوَةٌ فَلمَّا انْجَلَتْ قطَّعْتُ نَفْسي أَذيمُها

وفي رواية ألومها والدحر الدفع على وجه الهوان والإِذلال دحره يدحره دحراً ودحوراً والوسوسة الدعاء إلى أمر بصوت خفيّ كالهَيْنمة والخشخشة قال رؤبة:

وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الفَلَقْ سِرّاً وَقَد أَوَّنَ تَأْوينَ العُقُقْ

وقال الأَعشى:

تَسْمَعُ لِلْحَلْي وَسْواساً إذَا انْصَرَفَتْ كَما اسْتَعانَ بِريحٍ عِشْرِقٍ زَجِلُ

والإِبداء الإِظهار وهو جعل الشيء على صفة ما يصحّ أن يدرك وضدُّه الإِخفاء وكل شيء أزيل عنه الساتر فقد أبدي والمواراة جعل الشيء وراء ما يستره ومثله المساترة وضدُّه المكاشفة ولم يهمز ووُري لأن الثانية يدّه ولولا ذلك لوجب همز الواو المضمومة والسوأة الفرج لأَنه يسوء صاحبه إظهاره وأصل القسم من القسمة قال أعشى بني ثعلبة:

رَضيعَيْ لِبانٍ ثَدْيَ أُمٍّ تَقاسَما بِأسْحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَّرَقُ

والمقاسمة لا تكون إلا بين اثنين والقسم كان من إبليس لا من آدم فهو من باب عاقبت اللصَّ وطارقت النعل وعافاه الله. وقيل: إنَّ في جميع ذلك معنى المقابلة فالمعاقبة بالجزاء وكذلك المعافاة مقابلة المرض بالسلامةالمقاسمة مقابلة في المنازعة باليمين، والنصح نقيض الغش يقال نصحته أنصحه وهو إخلاص الفاعل ضميره فيما يظهر من عمله.
الإِعراب: لمن تبعك منهم لأَملأَن اللام الأَولى لام الابتداء والثانية لام القسم ومَنْ للشرط وهو في موضع رفع بالابتداء ولا يجوز أن يكون هنا بمعنى الذي لأَنها لا تقلب الماضي إلى الاستقبال وحذف الجزاء في قولـه لمن تبعك لأن جواب القسم أولى بالذكر حيث إنه في صدر الكلام ولو كان القسم في حشو الكلام لكان الجزاء أحق بالذكر من جواب القسم كقولك إن تأتني والله أكرمك ويجوز أن تقول والله لمَن جاءك اضربه بمعنى لا أضربه ولم يجز بمعنى لأَضربنَّه كما يجوز والله أضرب زيداً لا أضرب ولا يجوز بمعنى لأضربن لأَن الإِيجاب لا بدَّ فيه من نون التأكيد مع اللام وإنما قال منكم على التغليب للخطاب على الغيبة والمعنى لأَملأَن جهنم منك وممن تبعك منهم كما قاله في موضع آخر وقولـه إلاّ أن تكونا تقديره الإِكراهة أن تكونا ملكين فحذف المضاف فهو في موضع نصب بأنه مفعول له. وقيل: إن تقديره لأَن لا تكونا ملكين فحذف لا والأَول الصحيح وقولـه إني لكما لمن الناصحين تقديره إني لكما ناصح ثم فسَّر ذلك بقولـه لمن الناصحين ولا يكون قولـه لكما متعلقاً بالناصحين لأَن ما في الصلة لا يجوز أن يتقدم على الموصول ومثله قولـه
{ وأنا على ذلكم من الشاهدين } [الانبياء: 56] تقديره وأنا على ذلكم شاهد وبَيَّنه بقولـه من الشاهدين.
المعنى: ثم بيَّن سبحانه ما فعله بإبليس من الإِهانة والإِذلال وما آتاه آدم من الإِكرام والإِجلال بقولـه { قال اخرج منها } أي من الجنة أو من السماء أو من المنزلة الرفيعة { مذؤوماً } أي مذموماً عن ابن زيد. وقيل: مَعيباً عن المبرد. وقيل: مُهاناً لعيناً عن ابن عباس وقتادة { مدحوراً } أي مطروداً عن مجاهد والسدي { لمن تبعك منهم } أي من بني آدم معناه من أطاعك واقتدى بك من بني آدم { لأَملأَن جهنم منَكم } أي منك ومن ذريتك وكفّار بني آدم { أجمعين } وإنما جمعهم في الخطاب لأنه لا يكون في جهنم إلا إبليس وحزبه من الشياطين وكفار الإِنس وضلالهم الذين انقادوا له وتركوا أمر الله لاتّباعه.
{ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } هذا أمر بالسكنى دون السكون وإنما لم يقل وزوجتك لأن الإِضافة إليه قد أغنت عن ذكره وأبانت عن معناه فكان الحذف أحسن لما فيه من الإِيجاز من غير إخلال بالمعنى { فكلا من حيث شئتما } أباح سبحانه لهما أن يأكلا من حيث شاءا وأين شاءا أو ما شاءا { ولا تقربا هذه الشجرة } بالأَكل { فتكونا من الظالمين } أي من الباخسين نفوسهم الثواب العظيم وقد مضى تفسير هذه الآية مشروحاً في سورة البقرة.
{ فوسوس لهما } أي لآدم وحواء { الشيطان } الفرق بين وسوس إليه ووسوس له أن معنى وسوس إليه أنه ألقى إلى قلبه المعنى بصوت خفي ومعنى وسوس له أنه أوهمه النصيحة له في ذلك { ليبدي لهما } أي ليظهر لهما { ما ووري } أي ستر { عنهما من سوآتهما } أي عوراتهما وهذا الظاهر يوجب أن يكون إبليس علم أن من أكل من هذه الشجرة بدت عورته وأن من بدت عورته لا يترك في الجنة فاحتال في إخراجهما منها بالوسوسة.
{ وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } أي عن أكل هذه الشجرة { إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } والمعنى أنه أوهمهما أنهما إذا أكلا من هذه الشجرة تغيرت صورتهما إلى صورة الملك وأن الله تعالى قد حكم بذلك وبأن لا تبيد حياتهما إذا أكلا منها وروي عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأ مَلِكين بكسر اللام قال الزجاج: قولـه
{ { هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } [طه: 120] بدل على الملكين وأحسبه قد قرأ به ويحتمل أن يكون المراد بقولـه إلا أن تكونا ملكين أنه أوهمهما أن المنهي عن تناول الشجرة الملائكة خاصة والخالدين دونهما فيكون كما يقول أحدنا لغيره ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلاناً وإنما يريد أن المنهى إنما هو فلان دونك وهذا المعنى أوكد في الشبهة واللبس عليهما ذكره المرتضى قدس الله روحه.
{ وقاسمهما } أي وحلف لهما بالله تعالى حتى خدعهما عن قتادة { إني لكما لمن الناصحين } أي المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة ولذلك تأكدت الشبهة عندهما إذ ظنا أن أحداً لا يقدم على اليمين بالله تعالى إلا صادقاً فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة واستدل جماعة من المعتزلة بقولـه إلا أن تكونا ملكين على أن الملائكة أفضل من الأَنبياء قالوا لأَن إبليس رَغبهما بالتناول من الشجرة في منزلة الملائكة حتى تناولا ولا يجوز أن يرغب عاقل في أن يكون على منزلة دون منزلته فيحمله ذلك على معصية الله.
وأجاب عنه المرتضى بأن قال ما أنكرتم أن تكون الآية محمولة على الوجه الثاني الذي ذكرناه دون أن يكون معناها أن ينقلبا إلى صفة الملائكة وإذا كانت الآية محتملة لما ذكروه وأيضاً فمما يرفع هذه الشبهة أن يقال ما أنكرتم أن يكونا رغباً في أن ينقلبا إلى صفة الملائكة وخلقتهم لما رغبهما إبليس في ذلك ولا تدل هذه الرغبة على أن الملائكة أفضل منهما فإن الثواب إنما يستحق على الطاعات دون الصور والهيئات ولا يمتنع أن يكونا رغباً في صور الملائكة وهيآتها ولا يكون ذلك رغبة في الثواب ولا الفضل ألا ترى أنهما رغباً في أن يكونا من الخالدين وليس الخلود مما يقتضي مزية في الثواب ولا الفضل.