خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ
٢٩
فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
٣٠
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أصل القسط العدُل فإذا كان إلى جهة الحق فهو عدل ومنه قولـه { { إن الله يحبُّ المقسطين } [الممتحنة: 8] وإذا كان إلى جهة الباطل فهو جور ومنه قولـه { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً } [الجن: 15] وأصل الإِخلاص إخراج كل شائب من الجنس ومنه إخلاص الدين لله وهو توجيه العبادة إليه خالصاً دون غيره والبداء فعل الشيء أول مرة والعود فعله ثاني مرة وقد يكون فعل أول خصلة منه بدء كبدء الصلاة وبدء القراءة وأبدأ لغتان والفريق جماعة انفصلت من جماعة والاتخاذ افتعال من الأَخذ بمعنى إعداد الشيء لأمر من الأُمور والحسبان بمعنى الظن وهو ما قوي عند الظان كون المظنون كل ما ظنَّه مع تجويزه أن يكون على غيره فبالقوة يتميز من اعتقاد التقليد والتبخيت وبالتجويز يتميز من العلم لأَن مع العلم القطع.
الإِعراب: وأقيموا عطف على ما تقدَّم من قولـه لا يفتننكم الشيطان فتقديره احذروا الشيطان وأقيموا وجوهكم عن أبي مسلم. وقيل: إن تقديره أمر ربي بالقسط وقل أقيموا وقولـه كما بدأكم قال أبو علي الفارسي: تقديره كما بدأ خلقكم ثم حذف المضاف وتعودون معناه ويعود خلقكم ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار المخاطبون فاعلين وفريقاً حقَّ عليهم الضلالة نصبه ليعطف فعلاً على فعل وتقديره وفريقاً أضلَّ فأضمر أضل لأَنه قد فسَّره ما بعده فاغنى عن ذكره ونظيره قولـه
{ { يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدّ لهم عذاباً أليماً } [الإنسان: 31] وقال الفراء: فريقاً منصوب على الحال من تعودون وفريقاً الثاني عطف عليه ورفع على تقدير أحدهما كذا والآخر كذا لجاز كما قال { { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة } [آل عمران: 13].
المعنى: لما بيَّن سبحانه أنه لا يأمر بالفحشاء وهو اسم جامع للقبائح والسيئات عقَّبه ببيان ما يأمر به من القسط وهو اسم جامع لجميع الخيرات فقال { قل } يا محمد { أمر ربي بالقسط } أي بالعدل والاستقامة عن مجاهد والسدي وأكثر المفسرين. وقيل: بالتوحيد عن الضحاك. وقيل: بلا إله إلا الله عن ابن عباس. وقيل: بجميع الطاعات والقرب عن أبي مسلم. { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } قيل فيه وجوه أحدها: أن معناه توجَّهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة عن مجاهد والسدي وابن زيد وثانيها: أن معناه أقيموا وجوهكم إلى الجهة التي أمركم الله بالتوجه إليها في صلاتكم وهي الكعبة والمراد بالمسجد أوقات السجود وهي أوقات الصلاة عن الجبائي وغيره وثالثها: أن المراد إذا أدركتم الصلاة في مسجد فصلّوا ولا تقولوا حتى ارجع إلى مسجدي والمراد بالمسجد موضع السجود عن الفراء وهو اختيار المغربي ورابعها: أن معناه قصدوا المسجد في وقت كل صلاة أمر بالجماعة لهذا ندباً عند الأَكثرين وحتماً عند الأَقلين وخامسها: أن معناه أخلصوا وجوهكم لله تعالى في الطاعة فلا تشركوا به وثناً ولا غيره عن الربيع.
{ وادعوه مخلصين له الدين } وهذا أمر بالدعاء والتضرُّع إليه سبحانه على وجه الإِخلاص أي أرغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له الدين. وقيل: معناه واعبدوه مخلصين له الدين.
{ كما بدأكم تعودون } قيل في وجه اتصاله بما قبله وجوه:
أحدها: أن معناه وادعوه مخلصين فإنكم مبعوثون ومجازون وإن بعد ذلك في عقولكم فاعتبروا بالابتداء واعلموا أنه كما بدأكم في الخلق الأول فإنه يبعثكم فتعودون إليه في الخلق الثاني.
وثانيها: أنه يتَّصل بقولـه فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون فقال كما بدأكم تعودون أي فليس بعثكم بأشدّ من ابتدائكم عن الزجاج قال وإنما ذكره على وجه الحجاج عليهم لأَنهم كانوا لا يقرُّون بالبعث.
وثالثها: أنه كلام مستأنف أي يعيدكم بعد الموت فيجازيكم عن أبي مسلم قال قتادة: بدأكم من التراب وإليه تعودون كما قال
{ منها خلقناكم وفيها نعيدكم } [طه: 55]. وقيل: معناه كما بدأكم لا تملكون شيئاً كذلك تبعثون يوم القيامة.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تحشرون يوم القيامة عراة حفاة غُرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين. وقيل: معناه تبعثون على ما متُّم عليه، المؤمن على إيمانه والكافر على كفره عن ابن عباس وجابر.
{ فريقاً } أي جماعة { هدى } أي حكم لهم بالاهتداء بقبولهم للهدى أو لطف لهم بما اهتدوا عنده أو هداهم إلى طريق الثواب كما تكرَّر بيانه في مواضع { وفريقاً حقَّ } أي وجب { عليهم الضلالة } إذ لم يقبلوا الهدى أو حقَّ عليهم الخذلان لأَنه لم يكن لهم لطف ينشرح له صدورهم أو حقٌّ عليهم العذاب والهلاك بكفرهم ويؤيّد هذا القول الأَخير أنه سبحانه ذكر الهدى والضلال بعد العود والبعث ثم قال { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله } بيَّن سبحانه أنه لم يبدأهم بالعقوبة ولكن جازاهم على عصيانهم واتباعهم الشيطان وإنما اتَّخذوهم أولياء بطاعتهم لهم فيما دعوهم إليه { ويحسبون أنهم مهتدون } ومعناه وهم مع ذلك يظنُّون أنهم في ذلك على هداية وحقّ.