خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ
٤٠
لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٤١
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة والكسائي وخلف لا يُفْتَح بالياء والتخفيف وقرأ أبو عمرو بالتاء والتخفيف وقرأ الباقون بالتاء والتشديد وروي في الشواذ عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والشعبي وابن الشخير حتى يلج الجُمَّل بالضم والتشديد عن سعيد بن جبير في رواية أخرى وعبد الكريم وحنظلة الجمل بالضم والتخفيف وعن ابن عباس أيضاً الجُمْل بضم الجيم وسكون الميم والجُمُل بضمتين وعن ابن السماك الجَمْل بفتح الجيم وسكون الميم.
الحجة: حجة في قرأ لا تُفتَّح بالتشديد قولـه
{ { جنات عدن مفتحة لهم الأبواب } [ص:50] وحجة من خَفّف قولـه { ففتحنا أبواب السماء } [القمر: 11] وأما الجُمَّل بالضم والتشديد والجُمَل بالتخفيف وكلاهما الحبل الغليظة من القُنَّب. وقيل: هو حبل السفينة. وقيل: الحبال المجموعة وأما الجُمَل فيجوز أن يكون جمع جَمَلَ فيكون مثل أُسْد وأَسَد ووثُن وَوَثَن وكذلك المضموم أيضاً كأُسد ووُثُن قال ابن جني: وأما الجَمْل فيبعد أن يكون مخففاً من جَمَل لخفة الفتحة وإن كان قد جاء عنهم قولـه:

وَما كُلُّ مُتْبَاعٍ وَلَوْ سَلْفَ صَفْقَةً يُـــراجِعُ ما قَدْ فاتَــهُ بِرِدادِ

اللغة: السم بفتح السين وضمها الثقب ومنه السم القاتل لأنه ينفذ بلطفه في مسام البدن حتى يصل إلى القلب فينقض بنيته وكل ثقب في البدن لطيف فهو سُمّ وسَمّ وجمعه سموم وقال الفرزدق:

فَنَفَّسْتُ عَنْ سمَّيه حَتَّى تَنَفَّسا وَقُلتُ لَهُ لاَ تَخْشَ شَيْئاً وَرائِيا

يريد بسميه ثقبي أنفه ويجمع السمّ القاتل سِماماً والخِياط والمِخيط الإبرة كاللحاف والملحف والقناع والمقنع والإزار والمئزر والقرام والمقرم ذكره الفراء وجهنم اسم من أسماء النار واشتقاقها من الجهومة وهي الغلظ. وقيل: أخذ من قولـهم بئر جِهِنّام أي بعيد قعرها، والمهاد الوطاء الذي يفترش ومنه مهد الصبي وقد مهدت له هذا الأمر أي وطأته له، والغواشي جمع غاشية وهو كل ما يغشاك أي يسترك ومنه غاشية السرج وفلان يغشى فلاناً أي يأتيه ويلابسه.
الإعراب: قال أبو علي: للنحوببن في نحو غواشي وجوابي قولان:
أحدهما: مذهب سيبويه والخليل وهو أن الياء حذفت حذفاً لا لالتقاء الساكنين فلما حذفت الياء انتقص الاسم عن الزنة التي كان التنوين يعاقبها ولا يجتمع معها فدخلها وإنما حذف هنا الياء لا لالتقاء الساكنين كما يحذف حرف اللين في الوقف في نحو والليل إذا يَسْر وذلك ما كنا نبغ وقد حذف في الوصل أيضاً وكان الذي حَسّن ذلك الحذف أنها قد صارت بمنزلة الحركات لأنها قد صارت عوضاً منها بدلالة تعاقبها وأنها تحذف في الموضع الذي تحذف فيه الحركة فلما قوي الحذف فيها وكثر وكان هذا الجمع خارجاً عن الأبنية الأول وباينا لزم الحذف.
والقول الآخر: ما حدّث السّراج عن المبرد عن المازني قال ينظر يونس النحوي وأبو زيد والكسائي إلى جواري وبابه فما كان من الصحيح لا يلحقه التنوين لم يُلحقوه في المعتل وما كان يلحقه التنوين في الصحيح ألحقوه في المعتل قال والذي عليه البصريون هو القول الأول.
المعنى: ثم عاد الكلام إلى الوعيد فقال سبحانه: { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها } أي تكبروا عن قبولها: { لا تفتح لهم أبواب السماء } أي لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم كما تفتح لأرواح المؤمنين عن ابن عباس والسدي. وقيل: لا تفتح لأعمالهم ولدعائهم عن الحسن ومجاهد وعن ابن عباس في رواية أخرى وروي عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال أما المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء فتفتح لهم أبوابها وأما الكافر فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادى منادٍ اهبطوا به إلى سجين وهو وادٍ بحضرموت يقال له برهوت. وقيل: لا تفتح لهم أبواب السماء لدخول الجنة لأن الجنة في السماء عن الجبائي.
{ ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } أي حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة والمعنى لا يدخلون الجنة أبداً وسئل ابن مسعود عن الجمل فقال: هو زوج الناقة كأنه استجهل من سأله عن الجمل وهذا كما تقول العرب في التبعيد للشيء لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب وحتى يبيض القار وحتى يؤوب القارظان قال الشاعر:

إذا شَابَ الْغُرابُ أَتَيْتُ أَهْلي وَصارَ القارُ كَاللَّبَنِ الحَليبِ

وقال آخر:

فَرَجّي الْخَيْرَ وانْتَظِرِي إيابي إذا مَـــا القارِظُ الْعَنْـزيّ آبا

وتعليق الحكم بما لا يتوهم وجوده ولا يتصور حصوله تأكيد له وتحقيق لليأس من وجوده: { وكذلك نجزي المجرمين } أي ومثل ما جزينا هؤلاء نجزي سائر المجرمين المكذبين بآيات الله تعالى { لهم } أي لهؤلاء { من جهنَّم مهاد } أي فراش ومضجع { ومن فوقهم غواش } مثل قولـه { لهم من فوقهم ظلل من النار } [الزمر: 16]. وقيل: المراد به لحف والمعنى أن النار محيطة بهم من أعلاهم وأسفلهم: { وكذلك نجزي الظالمين } قال ابن عباس: يريد الذين أشركوا به واتّخذوا من دونه إلهاً.