خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ
٥٥
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٦
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو بكر عن عاصم خِفية بكسر الخاء والباقون بضمّها وهما لغتان.
اللغة: التضرع التذلل وهو إظهار الذل الذي في النفس ومثله التخشع ومنه التطلب لأمر من الأمور وأصل التضرع الميل في الجهات ذلاً من قولـهم ضرع الرجل يضرع ضرعاً إذا مال بأصبعه يميناً وشمالاً ذلاً وخوفاً ومنه ضرع الشاة لأن اللبن يميل إليه ومنه المضارعة للمشابهة لأنها تميل إلى شبه والضريع نبت لا يسمن لأنه يميل مع كل داء والخُفية خلاف العلانية والهمزة في الاخفاء منقلبة عن الياء كما أن الهمزة في الغناء منقلبة عن الياء بدلالة الغنية وقالوا اخفيت الشيء إذا أظهرته قال الشاعر:

يُخْفي التُّرابَ بِأظْلافٍ ثَمانِيَةٍ في أرْبَعٍ مَسُّهُنَّ الأرضَ تَحلِيلُ

ويمكن أن يكون أخفيت الشيء أي أزلت إظهاره وإذا أزلت إظهاره فقد كتمته كما أن اشكيته بمعنى أزلت شكايته والخفية الإخفاء والخيفة الخوف والرهبة والطمع توقع المحبوب وضدُّه اليأس وهو القطع بانتفاء المحبوب.
الإعراب: تضرُّعاً وخفية مصدران وضعا موضع الحال أي ادعوه متضرعين ومخفين وقولـه { خوفاً وطمعاً } في موضع الحال أيضاً أي خائفين عقابه وطامعين في رحمته قال الفراء: إنما ذكِّر قريب ولم يؤنَّث ليفصّل بين القريب من القرابة والقريب من القرب قال الزجاج: وهذا غلط لأن كل ما قرب في مكان أو نسب فهو جار على ما يصيبه من التأنيث والتذكير والوجه في تذكيره هنا أن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحد وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي وقال الأخفش: جائز أن يكون أراد بالرحمة هنا النظر فلذلك ذكَّره ومثله قول الشاعر:

يا أيُّها الراكِبُ المُزجي مطِيَّتَهُ سائل بَني أسَدٍ ما هذِهِ الصَّوْتُ

أي ما هذه الصيحة وقول الآخر:

إن السَّماحَةَ والْمُروُءَةَ ضُمِّــنا قَبْراً بِمَرْوَ عَلى الطَّرِيقِ الواضِحِ

المعنى: ثم أمر سبحانه بعد ذكره دلائل توحيده بدعائه على وجه الخشوع كافة عبيده فقال { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } أي تخشعاً وسرَّاً عن الحسن قال بين دعوة السرّ ودعوة العلانية سبعون ضعفاً ثم قال إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره وإن كان الرجل لقد فقَّه الفقه الكثير وما يشعر به الناس وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الكثيرة في بيته وعنده الزور فلا يشعرون به ولقد تداركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبداً ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة فأشرفوا على واد فجعل الناس يهلّلون ويكبّرون ويرفعون أصواتهم فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم أما إنكم لا تدعون الأصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً إنه معكم" . وقيل: إن التضرع رفع الصوت والخفية السر أي ادعوه علانية وسرّاً عن أبي مسلم ورواه علي بن إبراهيم في تفسيره.
{ إنه لا يحبُّ المعتدين } في الدعاء قيل هو أن يطلب منازل الأنبياء فيجاوز الحد في الدعاء عن أبي مجلز. وقيل: هو الصياح في الدعاء عن ابن جريج. وقيل: معناه لا يحبُّ المجاوزين الحدّ المرسوم في جميع العبادات والدعوات { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } ومعناه النهي عن قتل المؤمنين وإضلالهم والعمل بالمعاصي في الأرض بعد أن أصلحها الله بالكتب والرسل عن السدي والحسن والضحاك والكلبي. وقيل: بعد أن أمر الله بالإصلاح فيها قال الحسن: واصلاحها اتّباع أوامر الله تعالى فيها وروي عنه أيضاً أنه قال لا تفسدوها بقتل المؤمن بعد اصلاحها ببقائه. وقيل: لا تفسدوها بالظلم بعد اصلاحها بالعدل. وقيل: معناه لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم عن عطية وعلى هذا فيكون معنى قولـه بعد اصلاحها بعد اصلاح الله إياها بالمطر والخصب وروى ميسر عن أبي جعفر عليه السلام في هذه الآية قال إن الأرض كانت فاسدة فأصلحها الله بنبيه صلى الله عليه وسلم.
{ وادعوه خوفاً وطمعاً } خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه. وقيل: خوفاً من الردّ وطمعاً في الإجابة. وقيل: خوفاً من عدله وطمعاً في فضله عن ابن جريج. وقيل: معناه خوفاً من النيران وطمعاً في الجنان عن عطاء.
{ إن رحمة الله قريب من المحسنين } معناه أن إنعام الله قريب إلى فاعلي الإحسان. وقيل: إن رحمة الله أي ثوابه قريب من المطيعين عن سعيد بن جبير. وقيل: المراد بالرحمة المطر عن الأخفش ويؤيده قولـه
{ { فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها } [الروم: 50] والاحسان هو النفع الذي يستحق به الحمد والإساءة هي الضرر الذي يستحق به الذم ومن قال إن المراد بالمحسنين من خلصت أفعاله من الإساءة وكانت كلها حسنة فالظاهر لا يقتضي ذلك بل الذي يقتضيه أن رحمة الله واصلة إلى من فعل الاحسان وليس فيه أنه لا يصل إلى من جمع الإحسان والاساءة وذلك موقوف على الدلالة.