خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ
٨١
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
٨٢
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٨٣
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ
٨٤
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل المدينة وحفص وسهل هنا أنكم لتأتون وكذلك مذهبهم في الاستفهامين يجتمعان يكتفون بالاستفهام الأَول عن الثاني في كل القرآن وهو مذهب الكسائي إلاّ في قصة لوط والباقون بهمزتين الثانية مكسورة وحققهما أهل الكوفة إلاّ أن حفصاً يفصل بينهما بألف وابن كثير وأبو عمرو ورويس يحققون الأَولى ويليّنون الثانية إلاّ أن أبا عمرو يفصل بينهما بالألف.
الحجة: قال أبو علي: كل واحد من الاستفهامين جملة مستقلة لا يحتاج في تمامها إلى شيء فمن ألحق حرف الاستفهام جملة نقلها به من الخبر إلى الاستخبار ومن لم يلحقها بقّاها على الخبر فإذا كان كذلك فمن قرأ أنكم لتأتون الرجال جعله تفسيراً للفاحشة كما أنّ قولـه
{ للذكر مثل حظ الأُنثيين } [النساء: 11] تفسير الوصية.
اللغة: قال الزجاج: لوط اسم غير مشتق لأَن العجمي لا يشتق من العربي وإنما قال ذلك لأَنه لم يوجد إلاّ علماً في أسماء الأَنبياء. وقيل: إنه مشتق من لُطت الحوض إذا ألزقت عليه الطين وملسته به ويقال هذا ألوطُ بقلبي من ذاك أي ألصق والليطة القشر للصوقه بما اتصل به والشهوة مطالبة النفس بفعل ما فيه اللذة وليست كالإِرادة لأَنها قد تدعو إلى الفعل من جهة الحكمة والشهوة ضرورية فينا من فعل الله تعالى والإِرادة من فعلنا يقال شهيت أشهى شهوة قال:

وَأَشْعَثَ يَشْهي النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ ارْتَحِلْ إذَا ما النُّجُومُ أعْرَضَتْ وَاسْبَكَرَّتِ
فَقــامَ يَجُــرُّ الْبُــرْدَ لَوْ أَنَّ نَفْـسَهُ يُقــالُ لَـهُ خُذْهــا بِكَفّيكَ خَرَّت

والإِسراف الخروج عن حد الحق إلى الفساد والغابر الباقي قال الأَعشى:

عَضَّ بِما أَبْقَى الْمَوَاسِي لَهُ مِنْ أُمِّهِ فِي الزَّمَنِ الْغَابِرِ

الإِعراب: إنما صرف لوطاً لخفته بكونه على ثلاثة أحرف ساكن الأَوسط فقاومت الخفة أحد السببين ويجوز في قولـه جواب قومه الرفع إلاّ أنّ الأَجود النصب وعليه القراءة شهوة مصدر وضع موضع الحال وقولـه إلاّ امرأته استثناء متصل لأَنه يجوز أن تدخل الزوجة في الأَهل على التغليب في الجملة دون التفصيل ولم يقل من الغابرات لأَنه أراد أنها ممن بقيت مع الرجال ومطراً مصدر ذكر للتأكيد كقولـه ضربه ضرباً.
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال { ولوطاً } أي وأرسلنا لوطاً. وقيل: إن تقديره واذكر لوطاً قال الأَخفش: يحتمل المعنيين جميعاً ها هنا ولم يحتمل في قصة عاد وثمود إلاّ أرسلنا لأَن فيها ذكر إلى وهو لوط بن هاران بن تارخ بن أخي إبراهيم الخليل (ع). وقيل: إنه كان ابن خالة إبراهيم وكانت سارة امرأة إبراهيم أخت لوط.
{ إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة } أي السيئة العظيمة القبح يعني إتيان الرجال في أدبارهم { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } قيل ما نزا ذكر على ذكر قبل قوم لوط عن عمرو بن دينار قال الحسن: وكانوا يفعلون ذلك بالغرباء.
ثم بيّن تلك الفاحشة فقال { إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء } معناه أتأتون الرجال في أدبارهم اشتهاء منكم أي تشتهونهم فتأتونهم وتتركون إتيان النساء اللاتي أباحها الله لكم { بل أنتم قوم مسرفون } أي متجاوزون عن الحد في الظلم والفساد ومستوفون جميع المعايب إتيان الذكر إن وغيره.
{ وما كان جواب قومه } أي لم يجيبوه عما قال { إلاّ أن قالوا أخرجوهم من قريتكم } قابلوا النصح والوعظ بالسفاهة فقالوا اخرجوا لوطاً ومن آمن به من بلدتكم والمراد بالقرية البلدة كما قال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت قرويين أفصح من الحسن البصري والحجاج يريد بالقروي من يسكن المدن { إنهم أناس يتطهرون } أي يتحرجون عن إدبار الرجال فعابوهم بما يجب أن يمدحوا به عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. وقيل: معناه يتنزهون عن أفعالكم وطرائقكم.
{ فأنجيناه } أي فخلصنا لوطاً من الهلاك { وأهله } المختصين به وأهل الرجل من يختص به اختصاص القرابة { إلا امرأته كانت من الغابرين } أي من الباقين في قومه المتخلفين عن لوط حتى هلكت لأنها كانت على دينهم فلم تؤمن به. وقيل: معناه كانت من الباقين في عذاب الله عن الحسن وقتادة { وأمطرنا عليهم مطراً } أي أرسلنا عليهم الحجارة كالمطر كما قال في آية أخرى
{ وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل } [هود: 82] { فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } معناه تفكَّر وانظُر بعين العقل كيف كان مآل أمر المقترفين للسيئات والمنقطعين إليها وعاقبة فعلهم من عذاب الدنيا بالاستئصال قبل عذاب الآخرة بالخلود في النار.
[قصة لوط مع قومه]
وجملة أمرهم فيما روي عن أبي حمزة الثمالي وأبي بصير عن أبي جعفر (ع) أن لوطاً لبث في قومه ثلاثين سنة وكان نازلاً فيهم ولم يكن منهم يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الفواحش ويحثّهم على الطاعة فلم يجيبوه ولم يطيعوه وكانوا لا يتطهرون من الجنابة بخلاء أشحّاء على الطعام فأعقبهم البخل الداء الذي لا دواء له في فروجهم وذلك أنهم كانوا على طريق السيّارة إلى الشام ومصر وكان ينزل بهم الضيفان فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه وإنما فعلوا ذلك لتنكل النازلة عليهم من غير شهوة بهم إلى ذلك فأوردهم البخل هذا الداء حتى صاروا يطلبونه من الرجال ويُعطون عليه الجُعْل.
وكان لوط سخياً كريماً يقري الضيف إذا نزل به فنهوه عن ذلك وقالوا لا تقرين ضيفاً جاء ينزل بك فإنك إن فعلت فضحنا ضيفك فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه.
ولما أراد الله سبحانه عذابهم بعث إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين فلما عتوا عن أمره بعث الله إليهم جبرائيل (ع) في نفر من الملائكة فأقبلوا إلى إبراهيم قبل لوط فلما رآهم إبراهيم ذبح عجلاً سميناً فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا: يا إبراهيم إنا رسل ربك ونحن لا نأكل الطعام إنا أرسلنا إلى قوم لوط.
وخرجوا من عند إبراهيم فوقفوا على لوط وهو يسقي الزرع فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن أبناء السبيل أضفنا الليلة فقال لوط: إن أهل هذه القرية قوم سوء ينكحون الرجال في أدبارهم ويأخذون أموالهم قالوا قد أبطأنا فأضفنا فجاء لوط إلى أهله وكانت امرأته كافرة فقال: قد أتاني أضياف في هذه الليلة فاكتمي أمرهم قالت افعل وكانت العلامة بينها وبين قومها أنه إذا كان عند لوط أضياف بالنهار تدخن من فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار.
فلما دخل جبرائيل (ع) والملائكة معه بيت لوط وثبت امرأته على السطح فأوقدت ناراً فأقبل القوم من كل ناحية يهرعون إليه أي يسرعون ودار بينهم ما قصه الله في مواضع من كتابه فضرب جبرائيل (ع) بجناحه على عيونهم فطمسها فلما رأوا ذلك علموا أنهم قد أتاهم العذاب فقال جبرائيل (ع): يا لوط أخرج من بينهم أنت وأهلك إلا امرأتك فقال كيف أخرج وقد اجتمعوا حول داري فوضع بين يديه عموداً من نور وقال اتبع هذا العمود ولا يلتفت منكم أحد فخرجوا من القرية فلما طلع الفجر ضرب جبرائيل بجناحه في طرف القرية فقلعها من تخوم الأرضين السابعة ثم رفعها في الهواء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وصراخ ديوكهم ثم قلبها عليها وهو قول الله عز وجل
{ فجعلنا عاليها سافلها } [الحجر: 74] وذلك بعد أن أمطر الله عليهم حجارة من سجيل وهلكت امرأته بأن أرسل الله عليها صخرة فقتلها. وقيل: قلبت المدينة على الحاضرين منهم فجعل عاليها سافلها وأمطرت الحجارة على الغائبين فأهلكوا بها وقال الكلبي: أول من عمل عمل قوم لوط إبليس الخبيث لأَن بلادهم أخصبت فانتجعها أهل البلدان فتمثل لهم إبليس في صورة شاب ثم دعاهم إلى دبره فنكح في دبره ثم عبثوا بذلك العمل فلما كثر ذلك فيهم عجّت الأَرض إلى ربها فسمعت السماء فعجّت إلى ربها فسمع العرش فعجّ إلى ربه فأمر الله السماء أن تحصبهم وأمر الأَرض أن تخسف بهم.