خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠٦
-التوبة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل المدينة والكوفة غير أبي بكر مرجون بغير همز والباقون مرجؤن بالهمز.
الحجة: قال الأزهري: الإرجاء يهمز ولا يهمز أرجأت الأمر وأرجيته أخرته وأرجأت الحامل دنت لأن يخرج ولدها فهي مرجئ ومرجئة وأرجت بغير همز أيضاً.
النزول: قال مجاهد وقتادة: نزلت الآية في هلال بن أمية الواقفي ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهم من الأوس والخزرج وكان كعب بن مالك رجل صدق غير مطعون عليه وإنما تخلف توانياً عن الاستعداد حتى فاته المسير وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما لي من عذر ولم يعتذر إليه بالكذب فقال (ع):
"صدقت فمر حتى يقضي الله فيك" وجاء الآخران فقالا مثل ذلك وصدقا فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكالمتهم وأمر نساءهم باعتزالهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فأقاموا على ذلك خمسين ليلة وبنى كعب خيمة على سلع يكون فيها وحده وقال في ذلك:

أبَعْدَ دُورِ بَنِي القَيْنِ الْكِرامِ وَمـا شادُوا عَلَيَّ بَنَيْتُ البَيْتَ مِنْ سَعَفِ

ثم نزلت التوبة عليهم بعد الخمسين في الليل وهو قولـه تعالى: { وعلى الثلاثة } الذين خلّفوا الآية فأصبح المسلمون يبتدرونهم ويبشّرونهم. قال: كعب فجئت إلى رسول الله في المسجد وكان (ع) إذا سرّ يستبشر كأن وجهه فلقة قمر فقال لي: ووجهه يبرق من السرور: " أبشر بخير يوم طلع عليك شرقه منذ ولدتك أمك قال كعب فقلت: أمن عند الله أم من عندك يا رسول الله فقال: من عند الله" وتصدّق كعب بثلث ماله شكراً لله على توبته.
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما قبله من قوله: { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } فقال: { وآخرون مرجون لأمر الله } أي مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم { إما يعذّبهم وإما يتوب عليهم } لفظة { إما } وُقوع أحد الشيئين والله سبحانه عالم بما يصير إليه أمرهم ولكنَّه سبحانه خاطب العباد بما عندهم ومعناه ولكن كان أمرهم عندكم على هذا أي على الخوف والرجاء وهذا يدل على صحة مذهبنا في جواز العفو عن العصاة لأنه سبحانه بيَّن أن قوماً من العصاة يكون أمرهم إلى الله تعالى إن شاء عذَّبهم وإن شاء قبل توبتهم فعفا عنهم ويدلُّ أيضاً على أن قبول التوبة تفضل من الله سبحانه لأنه لو كان واجباً لما جاز تعليقه بالمشيئة { والله عليم } بما يؤول إليه حالهم { حكيم } فيما يفعله بهم.