خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
١٢٢
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ
١٢٣
وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
١٢٤
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ
١٢٥
-التوبة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: التفقه تعلم الفقه والفقه العلم بالشيء وفي حديث سلمان أنه قال لامرأة فقهت أي علمتُ وفهمت فأما فقهت بضم القاف فمعناه صارت فقيهة وقد اختص في العرف بعلم الأحكام الشرعية فيقال: لكل عالم بها فقيه. وقيل: الفقه: فهم المعاني المستنبطة ولذلك لا يقال الله سبحانه فقيه والحذر تجنب الشيء بما فيه من المضرة قال الزجاج: يقال غلظة وغُلظة وغِلظة ثلاث لغات قال أبو الحسن قراءة الناس بالكسر وهي العربية والمراد بالمرض في الآية الشك فإنه فساد في القلب يحتاج إلى العلاج كما أن الفساد في البدن يحتاج إلى مداواة ومرض القلب أعضل وعلاجه أعسر ودواؤه أعز وأطباؤه أقل.
الإعراب: لولا نفر بمعنى هلا نفر وهي للتخصيص إذا دخلت على الفعل فإذا دخلت على الاسم فمعناها امتناع الشيء لأجل وجود غيره، ليتفقَّهوا أي ليتفقه باقوهم لأنه إذا نفر طائفة منهم تفقه من بقي منهم وإن شئت فمعناه ليتفقه كلهم لأنه من نفر منهم إذا رجع استعلم من بقي فصار كلهم فقهاء وهم يستبشرون جملة في موضع الحال وكذلك قولـه { وهم كافرون }.
النزول: قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج غازياً لم يتخلف عنه إلا المنافقون والمعذرون فلما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين وبيَّن نفاقهم في غزاة تبوك قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزاة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سرية أبداً فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرايا إلى الغزو نفر المسلمون جميعاً وتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحده فأنزل الله سبحانه { وما كان المؤمنون لينفروا } الآية عن ابن عباس في رواية الكلبي. وقيل: إنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا في البوادي فأصابوا من الناس معروفاً وخصا ودعوا من وجدوا من الناس على الهدى فقال الناس وما نراكم إلا وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا فوجدوا في أنفسهم في ذلك حرجاً وأقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية عن مجاهد.
المعنى: لمّا تقدم الترغيب في الجهاد بأبلغ أسباب الترغيب وتأنيب من تخلف عنه بأبلغ أسباب التأنيب بيَّن في هذه الآية موضع الرخصة في تأخر من تأخر عنه فقال سبحانه { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } وهذا نفي معناه النهي أي ليس للمؤمنين أن ينفروا ويخرجوا إلى الجهاد بأجمعهم ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم فريداً وحيداً. وقيل: معناه ليس عليهم أن ينفروا كلهم من بلادهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتعلموا الدين ويضيعوا ما وراءهم ويخلُوا ديارهم عن الجبائي.
{ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } اختلف في معناه على وجوه أحدها: أن معناه فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ليتفقهوا في الدين يعني الفرقة القاعدين يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن وتعلمه القاعدون قالوا لهم إذا رجعوا إليهم أن الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآناً وقد تعلمناه فتتعلمه السرايا فذلك قولـه { ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } أي وليعلموهم القرآن ويخوّفوهم به إذا رجعوا إليهم { لعلهم يحذرون } فلا يعملون بخلافه عن ابن عباس في رواية الوالبي وقتادة والضحاك وقال الباقر (ع) كان هذا حين كثر الناس فأمرهم الله أن تنفر منهم طائفة وتقيم طائفة للتفقه وأن يكون الغزو نوباً.
وثانيها: أن التفقه والإنذار يرجعان إلى الفرقة النافرة وحثَّها الله تعالى على التفقه لترجع إلى المتخلفة فتحذرها ومعنى { ليتفقهوا في الدين } ليتبصروا ويتيقنوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين ونصرة الدين ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد فيخبروهم بنصر الله النبي والمؤمنين ويخبروهم أنهم لا يدان لهم بقتال النبي والمؤمنين لعلهم يحذرون أن يقاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار عن الحسن وأبي مسلم قال أبو مسلم اجتمع للنافرة ثواب الجهاد والتفقه في الدين وإنذار قومهم.
وثالثها: أن التفقه راجع إلى النافرة والتقدير ما كان لجميع المؤمنين أن ينفروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويخلوا ديارهم ولكن لينفر إليه من كل ناحية طائفة لتسمع كلامه وتتعلم الدين منه ثم ترجع إلى قومها فتبين لهم ذلك وتنذرهم عن الجبائي قال والمراد بالنفر هنا الخروج لطلب العلم وإنما سمي ذلك نفراً لما فيه من مجاهدة أعداء الدين قال القاضي أبو عاصم وفي هذا دليل على اختصاص الغربة بالتفقه وأن الإنسان يتفقه في الغربة ما لا يمكنه ذلك في الوطن.
ثم بيَّن سبحانه ما يجب تقديمه فقال { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } أي قاتلوا من قرب منكم من الكفار الأقرب منهم فالأقرب في النسب والدار وقال الحسن كان هذا قبل الأمر بقتال المشركين كافة وقال غيره هذا الحكم قائم الآن لأنه لا ينبغي لأهل كل بلد ان يخرجوا إلى قتال الأبعد ويدعوا الأقرب والأدنى لأن ذلك يؤدّي إلى الضرر وربما يمنعهم ذلك عن المضي في وجهتهم إلا أن يكون بينهم وبين الأقرب موادعة فلا بأس حينئذٍ بمجاوزة الأقرب إلى الأبعد على ما يراه المتولي لأمور المسلمين ولو قال سبحانه قاتلوا الأبعد فالأبعد لكان لا يصح لأنه لا حد للأبعد يبتدئ منه كما للأقرب وفي هذا دلالة على أنه يجب على أهل كل ثغر الدفاع عن أنفسهم إذا خافوا على بيضة الإسلام وإن لم يكن هناك إمام عاد. وقال ابن عباس: أمروا أن يقاتلوا الأدنى فالأدنى من عدوهم مثل قريظة والنضير وخيبر وفدك وقال ابن عمر إنهم الروم لأنهم سكان الشام والشام أقرب إلى المدينة من العراق وكان الحسن إذا سئل عن قتال الروم والترك والديلم تلا هذه الآية { وليجدوا فيكم غلظة } أي شجاعة عن ابن عباس. وقيل: شدة عن مجاهد. وقيل: صبراً على الجهاد عن الحسن والمعنى وليحسوا منكم بضد اللين وخلاف الرقة وهو العنف والشدة ليكون زجراً لهم.
{ واعلموا أن الله مع المتقين } عن الشرك أي معينهم وناصرهم ومن كان الله ناصره لم يغلبه أحد فأما إذا نصره سبحانه بالحجة فإنه يجوز أن يغلب بالحرب لضرب من المحنة وشدة التكليف.
ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال سبحانه { وإذا ما أنزلت سورة } في القرآن { فمنهم } أي من المنافقين { من يقول } على وجه الإنكار أي يقول بعضهم لبعض { أيكم زادته هذه } السورة { إيماناً }. وقيل: معناه يقول المنافقون للمؤمنين الذين في إيمانهم ضعف أيكم زادته هذه السورة إيماناً أي يقيناً وبصيرة { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً } معناه فأما المؤمنون المخلصون فزادتهم تصديقاً بالفرائض مع إيمانهم بالله عن ابن عباس ووجه زيادة الإيمان أنهم كانوا مؤمنين بما قد نزل من قبل وآمنوا بما أنزل الآن { وهم يستبشرون } أي يسرون ويبشر بعضهم بعضاً قد تهلَّلت وجوههم وفرحوا بنزولها { وأما الذين في قلوبهم مرض } أي شك ونفاق { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } أي نفاقاً وكفراً إلى نفاقهم وكفرهم لأنهم يشكّون في هذه السورة كما شكّوا فيما تقدمها من السور فذلك هو الزيادة إلى السورة لأنهم يزدادون عندها رجساً ومثله كفى بالسلامة داءً وقول الشاعر.

وحبسك داء أن تصح وتسلما

{ وماتوا وهم كافرون } أي وادَّاهم شكُّهم فيما أنزل الله تعالى من السور إلى أن ماتوا على كفرهم وآبوا شر مآب.