خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٨
وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ
٥٩
فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ
٦٠
قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
٦١
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٦٢
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
٦٣
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٦٤
وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ
٦٥
قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٦٦
وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٦٧
وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٦٨
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٩
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
٧٠
قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ
٧١
قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ
٧٢
قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ
٧٣
قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ
٧٤
قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٧٥
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
٧٦
قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ
٧٧
قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٧٨
قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ
٧٩
فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ
٨٠
ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ
٨١
وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٨٢
-يوسف

تفسير القرآن

فلما دخلوا إخوته على يوسف عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عز وجل: { وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم } [58] وأعطاهم وأحسن إليهم في الكيل قال لهم من أنتم؟ قالوا نحن بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه برداً وسلاماً، قال: فما فعل أبوكم؟ قالوا شيخ ضعيف، قال فلكم أخ غيركم؟ قالوا لنا أخ من أبينا لا من أمنا، قال: فإذا رجعتم إلي فأتوني به وهو قوله: { ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون } [59] ثم قال يوسف لقومه ردوا هذه البضاعة التي حملوها إلينا واجعلوها فيما بين رحالهم حتى إذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها رجعوا إلينا وهو قوله: { وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون } [62] يعني: كي يرجعوا { فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون } [63] فقال يعقوب: { هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم } [64-65] في رحالهم التي حملوها إلى مصر { قالوا يا أبانا ما نبغي } أي: ما نريد { هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير } فقال يعقوب { لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم } [66] قال يعقوب: { الله على ما نقول وكيل } فخرجوا وقال لهم يعقوب: { لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة - إلى قوله - أكثر الناس لا يعلمون } [67-68] فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصر ودخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعد، فقال يوسف أنت أخوهم؟ قال: نعم، قال: فلم لا تجلس معهم؟ قال: لأنهم أخرجوا أخي من أبي وأمي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا أن الذئب أكله فآليت على نفسي ألا اجتمع معهم على أمر ما دمت حياً، قال فهل تزوجت؟ قال: بلى، قال: فولد لك ولد؟ قال: بلى، قال: كم ولد لك؟ قال ثلاث بنين، قال: فما سميتهم؟ قال: سميت واحداً منهم الذئب وواحداً القميص وواحداً الدم، قال وكيف اخترت هذه الأسماء؟ قال لئلا أنسى أخي كلما دعوت واحداً من ولدي ذكرت أخي، قال يوسف لهم: اخرجوا وحبس بنيامين عنده فلما خرجوا من عنده قال يوسف لأخيه: أنا أخوك يوسف { فلا تبتئس بما كانوا يعملون } [69] ثم قال له: أنا أحب أن تكون عندي، فقال لا يدعوني إخوتي فإن أبي قد أخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن يردوني إليه، قال: فأنا أحتال بحيلة فلا تنكر إذا رأيت شيئاً ولا تخبرهم فقال لا، فلما جهزهم بجهازهم وأعطاهم وأحسن إليهم قال لبعض قوامه: اجعلوا هذا الصواع في رحل هذا وكان الصواع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقفوا عليه فلما ارتحلوا بعث إليهم يوسف وحبسهم ثم أمر منادياً ينادي { أيتها العير إنكم لسارقون } [70] فقال أخوة يوسف { ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } [71-72] أي: كفيل فقال أخوة يوسف ليوسف: { تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين } [73] قال يوسف: { فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله } فخذه فاحبسه { فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء اخيه } [75-76] فتشبثوا باخيه وحبسوه وهو قوله { كذلك كدنا ليوسف } اي احتلنا له { وما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم } فسئل الصادق عليه السلام عن قوله: { أيتها العير إنكم لسارقون } قال: ما سرقوا وما كذب يوسف فإنما عني سرقتم يوسف من أبيه، وقوله: أيتها العير معناه يا أهل العير ومثله قولهم لأبيهم { واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } [82] يعني: أهل العير فلما أخرج ليوسف الصواع من رحل أخيه قال إخوته: { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } [77] يعنون يوسف فتغافل يوسف عليهم وهو قوله: { فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكاناً والله أعلم بما تصفون } فاجتمعوا إلى يوسف وجلودهم تقطر دماً أصفر فكانوا يجادلونه في حبسه. وكانوا ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤوسهم دم أصفر وهم يقولون: { يا أيها العزيز إن له أبا شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين } [78] فأطلق عن هذا فلما رأى يوسف ذلك { قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده } [79] ولم يقل إلا من سرق متاعنا { إنا إذاً لظالمون فلما استيأسوا منه } وأرادوا الإنصراف إلى أبيهم قال لهم لاوي بن يعقوب { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله } [80] في هذا { ومن قبل ما فرطتم في يوسف } فارجعوا أنتم إلى أبيكم فأما أنا فلا أرجع إليه { حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين } [80-81] ثم قال لهم: { ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إنَّ ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } أي: أهل القرية وأهل العير { وإنا لصادقون }.