خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
٨٤
-البقرة

تفسير القرآن

أما قوله: { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماء‌كم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون } الآية وإنما نزلت في أبي ذر رحمة الله عليه وعثمان بن عفان وكان سبب ذلك لما أمر عثمان بنفي أبي ذر إلى الربذة دخل عليه أبو ذر وكان عليلاً متوكئاً على عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال؟ فقال عثمان مائة الف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأي فقال أبو ذر "يا عثمان أيما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير"؟ فقال عثمان بل "مائة ألف درهم" قال أما تذكر أنا وأنت وقد دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله عشياً فرأيناه كئيباً حزيناً فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكاً مستبشراً فقلنا له بآبائنا وأمهاتنا دخلنا إليك البارحة فرأيناك كئيباً حزيناً ثم عدنا إليك اليوم فرأيناك فرحاً مستبشراً فقال نعم كان قد بقي عندي من فيء المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها وخفت أن يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم واسترحت منها فنظر عثمان إلى كعب الأحبار، وقال له يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئاً؟ فقال لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شيء فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يابن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال { { الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } [التوبة: 34-35] فقال عثمان "يا أبا ذر إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك" فقال "كذبت يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك وأما عقلي فقد بقي منه ما أحفظه حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفي قومك" فقال وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي قومي؟ قال "سمعت يقول: إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلاً صيروا مال الله دولاً وكتاب الله دغلاً وعباده خولاً والفاسقين حزباً والصالحين حرباً" فقال عثمان يا معشر أصحاب محمد هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله فقالوا "لا ما سمعنا هذا من رسول الله" فقال عثمان ادع علياً فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فقال له عثمان: يا أبا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب، فقال أمير المؤمنين مه يا عثمان لا تقل كذاب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة (اللهجة اللسان) أصدق من أبي ذر "فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله صدق أبو ذر وقد سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى أبو ذر عند ذلك فقال ويلكم كلكم قد مد عنقه إلى هذا المال ظننتم أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نظر إليهم فقال من خيركم فقالوا من خيرنا فقال أنا فقالوا أنت تقول إنك خيرنا قال نعم خلفت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الجبة وهو عني راضٍ وأنتم قد أحدثتم إحداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ما أخبرتنى عن شيء أسألك عنه فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أيضاً لأخبرتك فقال أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فقال مكة حرم الله وحرم رسول الله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا ولا كرامة لك فسكت أبو ذر فقال عثمان أي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها قال الربذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر قد سألتني فصدقتك وأنا أسألك فاصدقني قال نعم قال أخبرني لو بعثتني في بعث من أصحابك إلى المشركين فأسرونى فقالوا لا نفديه إلا بثلث ما تملك قال كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه إلا بنصف ما تملك قال كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه إلا بكل ما تملك قال كنت أفديك قال أبو ذر الله أكبر قال حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً: "يا أبا ذر وكيف أنت إذا قيل لك أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فأي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الإِسلام فيقال لك سر إليها" فقلت وإن هذا لكائن فقال "أي والذي نفسي بيده إنه لكائن" فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي هذا على عاتقي فاضرب به قدماً قدماً قال لا أسمع وأسكت ولو لعبد حبشي وقد أنزل الله فيك وفي عثمان آية فقلت وما هى يا رسول الله فقال قوله تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماء‌كم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلآء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون".