خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
١٣
-لقمان

تفسير القرآن

قال أبو عبد الله عليه السلام: { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } قال فوعظ لقمان لابنه بآثار حتى تفطر وانشق وكان فيما وعظه به يا حماد! إن قال: يا بني انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت اليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد، يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك لا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغاً ولا ترفضها فتكون عيالاً على الناس ولا تدخل فيها دخولاً يضر بآخرتك وصم صوماً يقطع شهوتك ولا تصم صوماً يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام، يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإِيمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله، فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك، يا بني إن تأدبت صغيراً انتفعت به كبيراً، ومن غني بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ومن تكلف علمه اشتد طلبه ومن اشتد طلبه أدرك منفعته فاتخذه عادة، فانك تخلف في سلفك وتنفع به من خلفك ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب وإياك والكسل عنه والطلب لغيره فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيباً في طلب العلم فإنك لن تجد له تضييعاً أشد من تركه، ولا تمارين فيه لجوجاً ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطاناً، ولا تماشين ظلوماً، ولا تصادقنه ولا تصاحبن فاسقاً نطفاً ولا تصاحبن متهماً، واخزن علمك كما تخزن ورقك، يا بني خف الله خوفاً لو أتيت القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك وارج الله رجاء‌اً لو وافيت القيامة باتم الثقلين رجوت أن يغفر لك.
فقال له ابنه يا أبت وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نورين نوراً للخوف ونوراً للرجاء لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله، فإن هذه الأخلاق تشهد بعضها لبعض فمن يؤمن بالله إيماناً صادقاً يعمل لله خالصاً ناصحاً ومن عمل لله خالصاً ناصحاً فقد آمن بالله صادقاً ومن أطاع الله خافه ومن خافه فقد أحبه ومن أحبه اتبع أمره ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه نعوذ بالله من سخط الله، يا بني! لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقاً هو أهون عليه منها ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثواباً للمطيعين ولم يجعل بلاء‌ها عقوبة للعاصين.