خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً
٢٦
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً
٢٧
-الأحزاب

تفسير القرآن

نزل في بني قريظة: { وأنزل } [26] الله { الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤها وكان الله على كل شيء قديراً } [26-27].
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة واللواء معقود أراد أن يغتسل من الغبار فناداه جبرائيل عذيرك من محارب! والله ما وضعت الملائكة لأمتها فكيف تضع لأمتك! إن الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة فإني متقدمك ومزلزل بهم حصنهم إنَّا كنا في آثار القوم نزجرهم زجراً حتى بلغوا حمراء الأسد فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبله حارثة بن نعمان فقال له: ما الخبر يا حارثة؟ قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله هذا دحية الكلبي ينادي في الناس ألا لا يصلين العصر أحد إلا في بني قريظة، فقال ذاك جبرائيل ادعوا لي علياً فجاء علي عليه السلام فقال له ناد في الناس لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فنادى فيهم، فخرج الناس فبادروا إلى بني قريظة وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام بين يديه مع الراية العظمى وكان حي بن أخطب لما انهزمت قريش جاء فدخل حصن بني قريظة، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وأحاط بحصنهم فأشرف عليه كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل رسول الله على حمار فاستقبله أمير المؤمنين عليه السلام فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا تدن من الحصن، فقال رسول الله يا علي لعلهم شتموني إنهم لو قد رأوني لأذلهم الله ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من حصنهم فقال:
يا أخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت! أتشتموني إنَّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم، فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن فقال: والله يا أبا القاسم! ما كنت جهولاً فاستحيي رسول الله حتى سقط الرداء من ظهره حياء مما قاله، وكان حول الحصن نخل كثير فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فتباعد عنه وتفرق في المفازة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وآله العسكر حول حصنهم فحاصرهم ثلاثة أيام فلم يطلع أحد منهم رأسه، فلما كان بعد ثلاثة أيام نزل إليه غزال بن شمول فقال: يا محمد! تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النضير أحقن دماء‌نا ونخلي لك البلاد وما فيها ولا نكتمك شيئاً، فقال: لا أو تنزلون على حكمي؟ فرجع وبقوا أياماً فبكت النساء والصبيان إليهم وجزعوا جزعاً شديداً، فلما اشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر بالرجال فكتفوا وكانوا سبعمائة وأمر بالنساء فعزلن وقامت الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله حلفاء‌نا وموالينا من دون الناس نصرونا على الخزرج في المواطن كلها وقد وهبت لعبد الله بن أبي سبع مائة ذراع وثلاثمائة حاسر في صحيفة واحدة ولسنا نحن بأقل من عبد الله بن أبي، فلما أكثروا على رسول الله صلى الله عليه وآله قال لهم: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ فقالوا: بلى فمن هو؟ قال: سعد بن معاذ قالوا: قد رضينا بحكمه فأتوا به في محفة واجتمعت الأوس حوله يقولون له: يا أبا عمرو اتق الله وأحسن في حلفائك ومواليك فقد نصرونا ببغات والحدائق والمواطن كلها، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد أن لا يأخذه في الله لومة لائم، فقالت الأوس واقوماه ذهبت والله بنو قريظة وبكت النساء والصبيان إلى سعد، فلما سكتوا قال لهم سعد: يا معشر اليهود أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا: بلى قد رضينا بحكمك وقد رجونا نصفك ومعروفك وحسن نظرك، فعاد عليهم القول فقالوا بلى يا أبا عمرو! فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إجلالا له، فقال: ما ترى بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: احكم فيهم يا سعد! فقد رضيت بحكمك فيهم، فقال: قد حكمت يا رسول الله أن تقتل رجالهم وتسبي نساء‌هم وذراريهم وتقسم غنائمهم وأموالهم بين المهاجرين والأنصار فقام رسول الله فقال قد حكمت بحكم الله من فوق سبع رقعة ثم انفجر جرح سعد بن معاذ فما زال ينزف الدم حتى قضى، وساقوا الأسرى إلى المدينة وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله باخدود فحفرت بالبقيع فلما أمسى أمر بإخراج رجل رجل فكان يضرب عنقه.
فقال حي بن أخطب لكعب بن أسيد: ما ترى ما يصنع محمد صلى الله عليه وآله بهم؟ فقال له: ما يسؤك أما ترى الداعي لا يقلع والذي يذهب لا يرجع فعليكم بالصبر والثبات على دينكم، فأخرج كعب بن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه وكان جميلاً وسيماً فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا كعب أما نفعتك وصية ابن الحواس الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام فقال تركت الخمر والخنزير وجئت إلى البؤس والتمور لنبي يبعث مخرجه بمكة ومهاجرته في هذه البحيرة يجتزى بالكسيرات والتميرات ويركب الحمار العري في عينيه حمرة بين كتفيه خاتم النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى منكم يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فقال قد كان ذلك يا محمد! ولولا أن اليهود يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك وصدقتك ولكني على دين اليهود عليه أحيى وعليه أموت، فقال رسول الله قدّموه فاضربوا عنقه، فضربت ثم قدم حي بن أخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا فاسق كيف رأيت صنع الله بك؟ فقال والله يا محمد! ما ألوم نفسي في عداوتك ولقد قلقلت كل مقلقل وجهدت كل الجهد ولكن من يخذل الله يخذل، ثم قال حين قدم للقتل:

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل الله يخذل

فقدم وضرب عنقه فقتلهم رسول الله في البردين بالغداة والعشي في ثلاثة أيام وكان يقول: اسقوهم العذب وأطعموهم الطيب وأحسنوا إلى أساراهم، حتى قتلهم كلهم وأنزل الله على رسوله: { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم } أي: من حصونهم { وقذف في قلوبهم الرعب - إلى قوله - وكان الله على كل شيء قديراً }.