خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ
١٨
-محمد

تفسير القرآن

قال: { فهل ينظرون إلا الساعة } يعني القيامة { أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها } فإنه حدثني أبي عن سليمان بن مسلم الخشاب عن عبد الله ابن جريح المكي عن عطا بن أبي رياح عن عبد الله بن عباس قال حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رحمة الله عليه، فقال: بلى يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وآله: إن من أشراط القيامة إضاعة الصلوات واتباع الشهوات، والميل إلى الأهواء وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره، قال سلمان وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده يا سلمان! إن عندها يلبهم أمراء جورة ووزراء فسقة، وعرفاء ظلمة، وأمناء خونة، فقال سلمان وإن هذا لكائن يا رسول الله! قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان إن عندها يكون المنكر معروفاً والمعروف منكراً ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق، قال سلمان وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده.
يا سلمان! فعندها تكون إمارة النساء ومشاورة الإِماء وقعود الصبيان على المنابر ويكون الكذب طرفاً والزكاة مغرماً والفيء مغنماً ويجفو الرجل والديه ويبر صديقه، ويطلع الكوكب المذنب، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ويكون المطر قيظاً ويغيظ الكرام غيظاً ويحتقر الرجل المعسر فعندها تقارب الأسواق إذ قال هذا لم أبع شيئاً وقال هذا لم أربح شيئاً فلا ترى إلا ذاماً لله، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده.
يا سلمان! فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم وإن سكتوا استباحوا حقهم ليستأثرون أنفسهم بفيئهم وليطؤن حرمتهم وليسفكن دماء‌هم وليملأن قلوبهم دغلاً ورعباً، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده، يا سلمان! إن عندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمتي، فالويل لضعفاء أمتي منهم والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً ولا يوقرون كبيراً ولا يتجاوزون من مسيء جثتهم جثة الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين؟ قال سلمان وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسى بيده، يا سلمان! وعندها يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ولتركبن ذوات الفروج السروج فعليهن من أمتي لعنة الله، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ فقال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان! إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس وتحلى المصاحف، وتطول المنارات وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده وعندها تحلى ذكور أمتي بالذهب ويلبسون الحرير والديباج ويتخذون جلود النمور صفافاً قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله! قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان! وعندها يظهر الربا ويتعاملون بالعينة والرشى ويوضع الدين وترفع الدنيا، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان! وعندها يكثر الطلاق، فلا يقام لله حد ولن يضروا الله شيئاً قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان! وعندها تظهر القينات والعازف ويليهم أشرار أمتي، قال سلمان وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: إي والذي نفسي بيده يا سلمان! وعندها تحج أغنياء أمتي للنزهة وتحج أوساطها للتجارة وتحج فقراؤهم للرياء والسمعة فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله ويتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله وتكثر أولاد الزنا، ويتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وتسلط الأشرار على الأخيار، ويفشو الكذب وتظهر اللجاجة، وتغشو الفاقة ويتباهون في اللباس ويمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة والمعازف وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من الأمة ويظهر قراؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاوم، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات والأرجاس والأنجاس، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ فقال: إي والذي نفسي بيده، يا سلمان! فعندها لا يحض الغنى على الفقير حتى أن السائل يسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في كفه شيئاً قال سلمان! عندها يتكلم الروبيضة، فقال: وما الروبيضة يا رسول الله؟ فداك أبي وأمي؟ قال صلى الله عليه وآله: يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى تخور الأرض خورة فلا يظن كل قوم إلا أنها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله ثم ينكتون في مكثهم فتلقى لهم الأرض أفلاذ كبدها ذهباً وفضة ثم أومأ بيده إلى الأساطين فقال مثل هذا فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة، فهذا معنى قوله فقد جاء أشراطها.