خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ
٤٤
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
٤٥
وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ
٤٦
لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ
٤٧
-التوبة

تفسير القرآن

في رواية علي بن إبراهيم قوله: { لا يستئْذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر - إلى قوله - ما زادوكم إلا خبالاً } [44-47] أي: وبالاً { ولأوضعوا خلالكم } أي: يهربوا عنكم.
وتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من أهل ثبات وبصائر لم يكن يلحقهم شك ولا ارتياب ولكنهم قالوا نلحق برسول الله صلى الله عليه وآله منهم أبو خثيمة وكان قوياً وكانت له زوجتان وعريشتان فكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه وبردتا له الماء وهيئتا له طعاماً، فأشرف على عريشته، فلما نظر إليهما قال والله، ما هذا بإنصاف رسول الله صلى الله عليه وآله فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قد خرج في الصخ والريح وقد حمل السلاح مجاهداً في سبيل الله وأبو خثيمة قوي قاعد في عريشته وامرأتين حسناوتين لا والله ما هذا بإنصاف ثم أخذ ناقته فشد عليها رحله فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله فنظر الناس إلى راكب على الطريق فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كن أبا خثيمة، فأقبل وأخبر النبي بما كان منه فجزاه خيراً ودعا له.
وكان أبو ذررحمه الله تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام وذلك أن جمله كان أعجف فلحق بعد ثلاثة أيام به ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
"كن أبا ذر فقالوا هو أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ادركوه بالماء فإنه عطشان فادركوه بالماء ووافى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أداوة فيها ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا ذر معك ماء وعطشت؟ فقال نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد، فقلت لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله: يا أبا ذر أرحمك الله تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك" فلما سير به عثمان إلى الربذة فمات بها ابنه ذر، فوقف على قبره فقال رحمك الله يا ذر لقد كنت كريم الخلق باراً بالوالدين وما علي في موتك من غضاضة وما بي إلى غير الله من حاجة، وقد شغلني الاهتمام لك عن الاغتمام بك، ولولا هول المطلع لاحببت أن أكون مكانك، فليت شعري ما قالوا لك وما قلت لهم، ثم رفع يده فقال: اللهم إنك فرضت لك عليه حقوقاً وفرضت لي عليه حقوقاً فإني قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فإنك أولى بالحق وأكرم مني.
وكانت لأبي ذر غنيمات يعيش هو وعياله منها فأصابها داء يقال له النقار، فماتت كلها فأصاب أبا ذر وابنته الجوع فماتت أهله، فقالت ابنته أصابنا الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئاً فقال لي أبي يا بنية قومي بنا إلى الرمل نطلب القت وهو نبت له حب فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئاً فجمع أبي رملاً ووضع رأسه عليه ورأيت عينه قد انقلبت، فبكيت وقلت له يا أبت كيف أصنع بك وأنا وحيدة؟ فقال يا بنتي لا تخافي فإني إذا مت جاء‌ك من أهل العراق من يكفيك أمري، فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك فقال يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك أقوام من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك فإذا أنا مت فمدي الكساء على وجهي ثم اقعدي على طريق العراق فإذا أقبل ركب فقومي إليهم وقولي هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد توفي، قال فدخل إليه قوم من أهل الربذة فقالوا يا أبا ذر ما تشتكي؟ قال ذنوبي قالوا فما تشتهي؟ قال رحمة ربي قالوا فهل لك بطبيب؟ قال الطبيب أمرضني قالت ابنته فلما عاين الموت سمعته يقول مرحباً بحبيب أتى على فاقة لا أفلح من ندم اللهم خنقني خناقك فوحقك إنك لتعلم أني أحب لقاء‌ك.
قالت ابنته فلما مات مددت الكساء على وجهه ثم قعدت على طريق العراق فجاء نفر فقلت لهم يا معشر المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد توفي فنزلوا ومشوا يبكون فجاؤ‌وا فغسلوه وكفنوه ودفنوه وكان فيهم الأشتر فروي أنه قال دفنته في حلة كانت معي قيمتها أربعة آلاف درهم فقالت ابنته فكنت أصلي بصلاته وأصوم بصيامه فبينما أنا ذات ليلة نائمة عند قبره إذ سمعته يتهجد بالقرآن في نومي كما كان يتهجد به في حياته فقلت يا ابة ماذا فعل بك ربك؟ فقال يا بنية قدمت على رب كريم فرضي عني ورضيت عنه، وأكرمني وحباني فاعملي فلا تغتري.
وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله بتبوك رجل يقال له المضرب من كثرة ضرباته التي أصابته ببدر واحد، فقال له رسول الله عد لي أهل العسكر فعددهم فقال هم خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد والتباع، فقال عد المؤمنين فعدهم فقال هم خمسة وعشرون رجلاً، وقد كان تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق منهم كعب بن مالك الشاعر ومرادة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي (المواقفى ط) فلما تاب الله عليهم قال كعب ما كنت قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم وكنت أقول أخرج غداً أخرج بعد غد فإني قوي وتوانيت وبقيت بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله أياما أدخل السوق فلا أقضى حاجة فلقيت هلال بن أمية ومرادة بن الربيع وقد كانا تخلفا أيضاً فتوافقنا أن نبكر إلى السوق ولم نقض حاجة فما زلنا نقول نخرج غداً بعد غد حتى بلغنا إقبال رسول الله فندمنا فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وآله استقبلناه نهنئه بالسلامة فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام وأعرض عنا وسلمنا على إخواننا فلم يردوا علينا السلام فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد ولا يكلمنا فجئن نساؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلن قد بلغنا سخطك على أزواجنا فنعتزلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن، فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قالوا ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله ولا إخواننا ولا أهلونا فهلموا نخزج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم، فبقوا على هذا أياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله أن يغفر لهم فلما طال عليهم الأمر، قال لهم كعب يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله قد سخط علينا وأهلونا وإخواننا قد سخطوا علينا فلا يكلمنا أحد فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟ فتفرقوا في الليل وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيام كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه فلما كان في الليلة الثالثة ورسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة نزلت توبتهم على رسول الله صلى الله عليه وآله.