خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
١٠٠
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اخبر الله تعالى عن يوسف انه حين حضر عنده أبواه وأخوته، ورفع أبويه على العرش، والرفع النقل الى جهة العلو. ومثله الاعلاء والاصعاد، وضده الوضع، والعرش السرير الرفيع وأصله الرفع من قوله { خاوية على عروشها } } اي على ما ارتفع من أبنيتها، وعرّش الكرم إذا رفعه، وعمل عريشاً اذا عمل مجلساً رفيعاً. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتاده: العرش السرير. وقوله { وخرّوا له سجداً } معناه انحطوا على وجوههم والخرّ الانحطاط على الوجه، ومنه { خرّ من السماء فتخطفه الطير } والسجود في الشرع خضوع بوضع الوجه على الارض وأصله الذل، كما قال الشاعر:

ترى الأُكم فيها سجداً للحوافر

وقيل في وجه سجودهم قولان:
قال قوم: إن الهاء في قوله { له } راجعة الى الله، فكأنه قال فخروا لله سجداً شكراً على ما أنعم به عليهم من الاجتماع.
الثاني انهم سجدوا الى جهة يوسف على وجه القربة الى الله، كما يسجد الى الكعبة على وجه القربة الى الله.
وقيل انه كانت تحية الملوك السجود، قال اعشى بني ثعلبة:

فلما اتانا بعيد الكرى سجدنا له ورفعنا العمارا

وقوله { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } حكاية ما قال يوسف لأبيه بأن هذا تفسير رؤياي من قبل وما تؤول اليه، وهو ما ذكره في أول السورة { إني رأيت أحد عشر كوكباً } يعني أخوته { والشمس والقمر } يعني أبويه سجدوا له، كما رآه في المنام.
والرؤيا تصور ما يتوهم انه يرى لغمور النوم، ومتى قيل إذا كانت رؤيا الانبياء لا تكون الا صادقة، فهلا تسلى يعقوب بأن تأويل الرؤيا سيكون؟
قلنا عنه جوابان:
احدهما - انه قيل: انه رآها وهو صبيّ فلذلك لم يثق بها.
والآخر - ان طول الغيبة مع شدة المحنة يوجب الحزن كما يوجبه مع الثقة بالالتقاء في الآخرة.
{ وقد أحسن بي اذ أخرجني من السجن } بأن لطف وسهل اليَّ الخروج منه { وجاء بكم من البدو } اي اتي بكم من أرض فلسطين، لأن مسكن يعقوب وولده فيما ذكر كان هناك. والبدو: البرية العظيمة مأخوذ من بدا يبدوا بدوّاً. ويقال: بدو، وحضر.
وقوله { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } والنزغ التحريش بين الاثنين، وهو مس بسوء يغضب، ومنه قوله
{ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } }. وقوله { إن ربي لطيف لما يشاء } معنا لطيف التدبير، واللطف ما يدعو إلى فعل الواجب ويصرف عن القبيح. وقال الحسن: كان بين الرؤيا وتأويلها ثمانين سنة. وقال سلمان، وعبد الله بن سداد: كانت أربعين سنة. وقال ابن اسحاق: ثماني عشرة سنة.
وقوله { إنه هو العليم الحكيم } معناه إنه تعالى عالم بأحوال الخلق، وما يصلحهم ومايفسدهم "حكيم" في افعاله لا يضع الشيء الا في موضعه.
وقال بعضهم: غاب يوسف عن أبيه وله سبع عشرة سنة، وبقي بعد الاجتماع معهم في الملك ثلاثاً وعشرين سنة، ومات، وله مئة وعشرون سنة.