خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
١٢
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو { نرتع ونلعب } بالنون فيهما. وكسر العين من "يرتع" من غير بلوغ الى الياء أَهل الحجاز، إِلا المالكي. والعطار عن الزبيبي اثبات (ياء) في الوصل، والوقف بعد العين. الباقون بسكون العين، ولم يختلفوا في سكون الباء من ويلعب، وقرأ نافع يرتع، ويلعب بالياء فيهما، وكسر العين. وقرأ أهل الكوفة بالياء فيهما، وجزم العين والباء. قال ابو علي: قراءة ابن كثير حسنة، لأنه جعل الارتعاء القيام على المال لمن بلغ وجاوز الصغر، واسند اللعب الى يوسف لصغره، ولا لوم على الصغير في اللعب، ولا ذم. والدليل على صغر يوسف قول أخوته { وإنا له لحافظون } ولو كان كبيراً ما احتاج الى حفظهم. وايضاً قال يعقوب أخاف ان يأكله الذئب، ولو لم يكن صغيراً ما خاف عليه، وانما يخاف الذئب على من لا دفاع فيه، ولا ممانعة له: من شيخ، فانٍ او صبي صغير قال الشاعر:

اصبحت لا أحمل السلاح ولا املك رأس البعير ان نفرا
والذئب اخشاه ان مررت به وحدي واخشى الرياح والمطرا

فأما اللعب فمما لا ينبغي ان ينسب الى اهل النسك والصلاح، ألا ترى الى قوله: { أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين } فقوبل اللعب بالحق فدل على انه خلافه، وقال { ولئن سألتهم ليقولنَّ إنما كنا نخوض ونلعب } وقال { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } فأما الارتعاء فهو افتعال من رعيت مثل سويت واستويت وكل واحد منهما متعد الى مفعول به، قال الشاعر:

ترتعي السفح فالكثيب فذا قا ر فروض القطا فذات الرّئال

وقال ابو عبيدة: ويجوز ان يقال نرتع ويراد ترتع إِبلهم ووجه ذلك انه كان الاصل ترتع إِبلنا ثم حذف المضاف وأسند الفعل الى المتكلمين، فصار نرتع وكذلك نرتعي على ترتعي إِبلنا، ثم يحذف المضاف فيكون نرتعي. وقال أبو عبيدة: نرتع نلهو، وقد تكون هذه الكلمة على غير معنى النيل من الشيء كقولهم في المثل العبد والرتعة، فكان على هذا النيل والتناول مما يحتاج اليه الحيوان.
واما قراءة ابي عمرو، وابن عامر، فعلى أن معناه نرتع أبلنا، او على اننا ننال ما نحتاج اليه ومعناه ننال. فأما قوله { ونلعب } فحكي ان ابا عمرو قيل له كيف يقولون نلعب، وهم انبياء؟ فقال لم يكونوا يومئذ أنبياء، فعلى هذا سقط الاعتراض ولا يجوز ان يكون المراد به مثل ما قال الشاعر:

حدَّت حداد تلاعب وتقشعت غمرات قالت ليسه حيران

فكان اللعب ها هنا الذي لم يتشمّر في امره، فدخله بعض الهوينا، فهذا أسهل من الوجه الذي قوبل بالحق، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لجابر: "فهلاَّ بكراً تلاعبها وتلاعبك" وانما اراد بذلك التشاغل بالمباح والعمل بما يتقوى به على العبادة والطاعة. وقد روي عن بعض السلف انه كان اذا اكثر النظر في مسائل الفقه قال احمضونا، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال "ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه برفق فان المبتت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى" . فليس هذا اللعب من الذين قال { إنما كنا نخوض ونلعب } في شيء.
ومن قرأ بالياء فإِن كان يرتع من اللهو، كما فسّره ابو عبيدة، فلا يمتنع ان يخبر به عن يوسف لصغره، كما لا يمتنع ان ينسب اليه اللعب كذلك إن كان { يرتع } من النيل من الشيء، فلذلك ايضاً لا يمتنع عليه ايضاً، فوجهها بيِّن، وهو أبين من قول من قال "ونلعب" بالنون، لانهم سألوا ارساله ليتنفس بلعبه، ولم يسألوا ارساله ليلعبوا هم.
والرتع الاتساع في البلاد بالذهاب في جهاتها من اليمين والشمال، فلان يرتع في المال وغيره من ضروب الملاذ، واصل الرتعة التصرف في الشهوات رتع فلان في ماله اذا انفق في شهواته قال القطامي:

أكفراً بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرِّتاعا

وقال مجاهد معنى "نرتع" يحفظ بعضنا بعضاً من الرعاية. واللعب يحتمل ما يستهجن ويسترذل لطلب الفرح من غير مراعاة شيء من الحِلمْ كفعل الصبي اذا قصد هذا القصد.
أخبر الله تعالى عن اخوة يوسف انهم قالوا لابيهم ارسل يوسف معنا ينال الملاذ ويتفرَّح، ونحن حافظون له ومراعون لاحواله فلا تخشى عليه.