خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ
٣١
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو عمرو ونافع في رواية الأصمعي عنه { حاشا } بألف. الباقون بلا الف، فمن حجة أبي عمرو، قال الشاعر:

حاشى ابي ثوبان إن به ضنَّاً عن الملحاة والشَّتم

قال ابو علي الفارسي لا يخلوا قولهم: حاش لله من ان يكون الحرف الجار في الاستثناء، كما ذكرناه في البيت أو فاعل من قولهم: حاشى يحاشي، ولا يجوز ان يكون حرف الجر لأن حرف الجر لا يدخل على مثله، ولأن الحروف لا تحذف اذا لم يكن فيها تضعيف، فاذا بطل ذلك ثبت انها فاعل مأخوذاً من الحشا الذي هو الناحية. والمعنى انه صار في حشاء اي ناحية مما قذف به، وفاعله يوسف، والمعنى بعد عن هذا الذي رمي به { لله } اي لخوفه من الله، ومراقبة امره. ومن حذف الالف، فكما حذف لم يك، ولا أدر، فاذا أريد به حرف الجر يقال حاشا، وحاش، وحشا، ثلاث لغات قال الشاعر:

حشا رهط النبي فان فيهم بحوراً لا تكدرها الدّلاء

حكى الله تعالى عن امرأة العزير انها حين سمعت قول نسوة المدينة فيها وعذلهنّ اياها، ومكرهنَّ بها. وقيل انهن مكرن بها لتريهن يوسف، فلما اطلعتهن على ذلك أشعن خبرها، والمكر الفتل بالحيلة الى ما يراد من الطلبة يقال: هي ممكورة الساقين بمعنى مفتولة الساقين، وممكورة البدن أي ملتفَّة { أرسلت إليهن } أي بعثت اليهن تدعوهن الى دعوتها.
وقوله { وأعتدت لهن متكئاً } معناه اعدَّت، ومعناه اتخذت من العتاد، وقولهم: اعتدت من العدوان، والألف فيه ألف وصل، والمتكأ الوسادة، وهو النمرق الذي يتكأ عليه. وقال قوم: انه الاترج. وانكر ذلك ابو عبيدة.
وقوله { وآتت كل واحدة منهن سكّيناً } قيل انها قدمت اليهن فاكهة وأعطتهن سكّيناً ليقطعن الفاكهة، فلما رأينه - يعني يوسف - دهشن { وقطعن أيديهن } وقوله { أكبرنه } أي أَعظمنه وأجللنه. وقال قوم: معنى ذلك انهن حضن حين رأينه وأنشد قول الشاعر:

يأتي النساء على اطهارهنَّ ولا يأتي النساء اذا اكبرن اكبارا

وانكر ذلك ابو عبيدة، وقال: ذلك لا يعرف في اللغة، لكن يجوز ان يكون من شدة ما أعظمنه حضن، والبيت مصنوع لا يعرفه العلماء بالشعر.
وقوله { حاش لله } تنزيه له عن حال البشر، وانه لا يجوز ان تكون هذه صورة للبشر، وانما هو ملك كريم. وقال الجبائي: فيه دلالة على تفضيل الملائكة على البشر لانه خرج مخرج التعظيم، ولم ينكره الله تعالى، وهذا ليس بشيء، لأن الله تعالى حكى عن النساء انهن أعظمن يوسف، لما رأين من وقاره وسكونه وبعده عن السوء. وقلن: ليس هذا بشراً، بل هو ملك يريدون في سكونه، ولم يقصدن كثرة ثوابه على ثواب البشر، وكيف يقصدنه، وهن لا طريق لهن الى معرفة ذلك، على ان هذا من قول النسوة اللاتي وقع منهن من الخطأ والميل اليه ما لا يجوز ان يحتج بقولهن. وقوله لم ينكره الله، انما لم ينكره، لأنه تعالى علم انهن لم يقصدن ما قال الجبائي، ولو كن قصدنه لأنكره، على أن ظاهر الكلام انهن نفين ان يكون يوسف من البشر، وفيه قطع على انه ملك، وهذا كذب، ولم ينكره الله. والوجه فيه انهن لم يقصدن الاخبار بذلك عن حاله، وانما اخبرن بتشبيه حاله فيما قلناه بحال الملائكة، فلذلك لم ينكره الله.
وقوله { ما هذا بشراً } نصب بشراً على مذهب اهل الحجاز في اعمال (ما) عمل ليس، فيرفعون بها الاسم، وينصبون الخبر، فأما بنو تميم، فلا يعلونها قال الشاعر:

لشتّان ما أنوي وينوي بنو أبي جميعاً فما هذان مستويان
تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى وكل فتى والموت يلتقيان

وقد قرىء { ما هذا بشرى } أي ليس بمملوك، وهو شاذ، لا يقرأ به. وقرىء { متكأ } بتسكين التاء. قال مجاهد: معنا الا ترج، وقال قتادة: معناه طعاماً، وبه قال عكرمة وابن اسحق وابن زيد والضحّاك، وقال مجاهد، وغيره: اعطي يوسف نصف الحسن، وقيل ثلثه. وقيل ثلثاه. والباقي لجميع الخلق.