خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ
١٦
وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ
١٧
إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ
١٨
-الحجر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى أنه جعَل في السّماء بروجاً. والجعل قد يكون تصيير الشيء عن صفة لم يكن عليها. وقد يكون بالايجاد لهُ. والله تعالى قادرٌ ان يجعل في السّماء بروجاً من الوجهين، والبرْج: ظهُور منزل ممتنع بارتفاعه، فمن ذلك برج الحصْن، وبرج من بروج السَّماء الإثني عشر، وهي منازل الشمس والقمر. وأصله الظهور، يقال: تبرّجت المرأة إِذا أظهرت زينتها. وقال الحسن ومجاهد وقتادة: المراد بالبرُوج النجوم. وقوله { وحفظناها من كل شيطان رجيم }
يحتمل ان تكون الكناية راجعة الى السّماء، والى البرُوج. وحفظ الشيء جعله على ما ينفي عنه الضّياع، فمن ذلك حفظ القرآن بدرسه ومراعاته، حتى لا ينسى، ومنه حفظ المال بإِحرازه بحيث لا يضيع بتخطّف الأيدي له، وحفظ السماء من كل شيطان بالمنع بما أعدّ له من الشّهاب. والرَّجم بمعنى المرجوم، والرجم الرمي بالشيء بالاعتماد من غير آلة مهيأة للأصابة، فإِن النفوس يرمى عنها ولا ترجم.
وقوله { إلا من استرق السمع } معنى (الا) (لكن) فكأنه قال: لكن من استرق السمع من الشيطان يتبعه شهاب مبين. قال الفرّاء: أي لا يخطىء، وقال المفسّرون: قوله { إِلا من استرق السمع } مثل قوله
{ إِلا من خطف الخطفة } ومعناه معناه، والاستراق أخذ الشيء خفيَّاً، وليس طلبهم استراق السمع مع علمهم بالشهب خروج عن العادة في صفة العقلاء، لانهم قد يطمعون في في السلامة من بعض الجهات، والشهاب عمود من نور يمدّ لشدة ضيائه كالنار وجمعه شهب. وقال ابن عباس: بالشهاب يخبل ويحرق، ولا يقتل. وقال الحسن: يقتل قال ذو الرمّة:

كأنه كوكب في إِثر عفريةٍ مسوَّم في سواد الليل منقضب

والاتباع إِلحاق الثاني بالأول، أتبعه اتباعاً، وتبعه يتبعه إذا طلب اللحاق به، وكذلك اتّبعه اتباعاً بالتشديد { مبين } اي ظاهر مبين.
وقال الفراء: قوله { إِلا من استرق السمع } استثناء صحيح، لان الله تعالى لم يحفظ السماء ممن يصعد اليها ليسترق السمع، ولكن اذا سمعه والقاه الى الكهنة اتبعه شهاب مبين، فأماً استراقهم السمع، فقال المفسرون: إِن فيهم من كان يصعد السماء فيسمع الوحي من الملائكة، فاذا نزل الى الارض اغوى به شياطينه او ألقاه الى الكهان، فيغوون به الخلق، فلما بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم منعهم من ذلك، وكان قبل البعثة لم يمنعهم من ذلك تغليظاً في التكليف. قال الزّجاج: والدليل على انه لم يكن ذلك قبل النبي ان أحداً من الشعراء لم يذكره قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة ذكرهم الشهب بعد ذلك.