خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ
٢٢
وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ
٢٣
وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ
٢٤
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
٢٥
-الحجر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة وحده { الريح لواقح } الباقون { الرياح } على الجمع، قال ابو عبيدة لا اعرف لذلك وجهاً، إِلا ان يريد أن الريح تأتي مختلفة من كل وجه، فكانت بمنزلة رياح وحكى الكسائي أرض اغفال، وأرض سباسب. قال المبرّد: يجوز ذلك على بعد، ان يجعل الريح جنساً، وليس بجيد، لان الرياح ينفصل بعضها عن بعض، بمعرفة كل واحدة، وليست كذلك الارض، لأنها بساط واحد. وقال الفراء: هو مثل ثوب اخلاق وانشد:

جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه التواق

ومن قراء { الرياح لواقح } احتمل ذلك شيئين.
احدهما - ان يجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء، فيكون فيها اللقاح، فيقال فيها ريح لاقح، كما يقال: ناقة لاقح.
والثاني - ان يصفها باللقح وان كانت تلقح، كما قيل ليل نائم وسر كاتم.
يقول الله تعالى انه بعث { الرياح لواقح } للسحاب والأشجار تعداداً لنعمه على عباده وامتنانا عليهم، واحدها ريح، وتجمع ايضاً أرواحاً، لأنها من الواو، قال الشاعر:

مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم

فاللواقح التي تلقح السحاب، حتى يحمل الماء أي تلقي اليه ما يحمل به الماء يقال: لقحت الناقة اذا حملت، وألقحها الفحل إِذا ألقى اليها الماء فحملته، فكذلك الرياح هي كالفحل للسحاب، (ولواقح) في موضع ملاقح. وقيل في علّة ذلك قولان: احدهما، لانه في معنى ذات لقاح كقولهم: هم ناصب أي ذو نصب قال النابغة:

كليني لهم يا اميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب

اي منصب، وقال نهشل بن حري النهشلي:

ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح

اي المطاوح، وقال قتادة وابراهيم والضحاك: معنى هذا القول: ان الرياح تلقح السحاب الماء. وقال ابن مسعود: إِنها لاقحة يحملها الماء، ملقّحة بإِلقائها إِياه الى السحاب.
وقوله { فأنزلنا من السماء ماء } يعني غيثاً ومطراً { فاسقيناكموه } اي جعلته سقياً، لأرضكم تشربه، يقال: سقيته، فيما يشربه، تسقيه واسقيته فيما تشربه ارضه، وقد تجيء أسقيته بمعنى سقيته، كقوله تعالى
{ نسقيكم مما في بطونه من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين } وقال ذو الرمة:

وقفت على ربع لمية ناقتي فما زلت أبكى عنده وأخاطبه
واسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني احجاره وملاعبه

اي ادعو له بالسقيا. { وما أنتم له برازقين } اي لستم تقدرون ان ترزقوا احداً ذلك الماء، لولا تفضل الله عليكم. ثم اخبر تعالى انه هو الذي يحيي الخلق اذا شاء وكان ذلك صلاحاً لهم، ويميتهم اذا اراد وكان صلاحهم، وانه هو الذي يرث الخلق، لأنه اذا افنى الخلق ولم يبق احد كانت الاشياء كلها راجعة اليه ينفرد بالتصرف فيها وكان هو الوارث لجميع الاملاك.
وقوله { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } قيل في معناه ثلاثة اقوال:
احدهما - قال مجاهد وقتادة من مضى ومن بقي.
وثانيها - قال الشعبي: اول الخلق وآخره.
وثالثها - قال الحسن: المتقدمين في الخير والمبطئين.
وقال الفرا: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم إِن الله يصلي على الصف الاول، أراد بعض المسلمين ان يبيع داره النائية ليدنو الى المسجد، فيدرك الصف الاول. فأنزل الله الآية، وأنه يجازي فقراء الناس على نياتهم.
ثم اخبر تعالى ان الذي خلقك يا محمد هو الذي يحشرهم بعد اماتتهم، ويبعثهم يوم القيامة، لانه حكيم في افعاله عالم بما يستحقونه من الثواب والعقاب.
(والحشر) جمع الحيوان الى مكان، يقال: هؤلاء الحشّار، لانهم يجمعون الناس الى ديوان الخراج. و (الحكيم) العالم بما لا يجوز فعله، لقبحه، او سقوط الحمد عليه، مع انه لا يفعله، فعلى هذا يوصف تعالى فيما لم يزل بانه حكيم. والحكيم المحكم لأفعاله بمنع الخلل ان يدخل في شيء منها، فعلى هذا لا يوصف تعالى فيما لم يزل بانه حكيم.