خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
٥٧
قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ
٥٨
إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ
٥٩
إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٦٠
-الحجر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

فقال ابراهيم (ع) بعد ذلك للملائكة { ما خطبكم } اي ما الأمر الجليل الذي بعثتم له، والخطب الأمر الجليل، ومثله ما شأنك، وما أمرك، ومنه الخطبة، لأنها في الأمر الجليل، فأجابته الملائكة بأنّا { أرسلنا إلى قوم مجرمين } وقوم الرجل: هم الذين يقيمون بنصرته، والنفر الذين ينفرون في مهام الأمور. وقوم لوط هم الذين كان يجب عليهم القيام بنصرته ومعونته على أمره. وقال قوم: إِنه يقع على الرجال دون النساء. والمجرم المنقطع عن الحق الى الباطل، وهو القاطع لنفسه عن المحاسن الى المقابح، والمعنى { إنا أرسلنا إلى } من وصفنا لنهلكهم، وننزل بهم العقوبة. ثم استثنى من ذلك { آل لوط } وأخبر انهم ينجونهم كلهم، يقال: نجيت فلاناً وانجيته، فمن قرأ بالتشديد أراد التكثير. ثم استثنى من جملة آل لوط امرأته، وبين انها هالكة مع الهالكين، { وقدرنا } اي كتبنا { إنها لمن الغابرين } والغابر الباقي في من يهلك. والغابر الباقي في مثل الغبرة، مما يوجب الهلكة. قال الشاعر:

فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر

وآل الرجل أهله الذين يرجعون إِلى ولايته، ولهذا يقال أهل البلد، ولا يقال آل البلد، ولكن آل الرجل اتباعه الذين يرجع أمرهم اليه بولايته ونصرته. وقيل: إِن امرأة لوط كانت في جملة الباقين. ثم اهلكت فيما بعد { وقدرنا } بالتخفيف مثل { قدّرنا } بالتشديد، وكلهم قرأ - ها هنا - مشدداً إِلا أبا بكر عن عاصم، فإِنه خففها، ويكون ذلك من التقدير، كما قال { ومن قدر عليه رزقه } }. وقال ابو عبيدة: في الآية معنى فقر، وكان ابو يوسف يتأوله فيها، لان الله تعالى استثنى آل لوط من المجرمين، ثم استثنا استثناء رده على استثناء كان قبله، وكذلك كل استثناء في الكلام إِذا جاء بعد آخر عاد المعنى إِلى أول الكلام، كقول الرجل: لفلان علي عشرة إِلا أربعة إِلا درهم، فأنه يكون اقرار بسبعة، وكذلك لو قال: علي خمسة إِلا درهماً إِلا ثلثاً، كان إِقرار بأربعة وثلث، وكذلك لو قال لأمرأته أنت طالق ثلاثاً إِلا اثنتين إِلا واحدة كانت طالقاً إِثنتين، قال: واكثر ما يستثنى ما هو أقل من النصف، ولم يسمع اكثر من النصف الا بيت أنشده الكسائي:

ادوا التي نقصت سبعين من مئة ثم ابعثوا حكماً بالعدل حكّاما

فجعلها مئة إِلا سبعين، وهو يريد ثلاثين، وضعف المبرد الاحتجاج بهذا البيت، ولم يجز إِستثناء الأكثر من الجملة ولا نصفها، وإِنما جاز استثناء ما دون النصف من الجملة حتى قال: لا يجوز ان يقال: له عندي عشرة إِلا نصف ولا عشرة إِلا واحد، قال: لان تسعة ونصف أولى بذلك، وكذلك لا يجوز: له الف إِلا مئة، لأن تسعة مئة أولى بذلك، وإِنما يجوز الف إِلا خمسين وإِلا سبعين والا تسعين، قال: وعلى هذا النحو بني هذا الباب. والصحيح الأول، عند اكثر العلماء من المتكلمين والفقهاء واكثر النحويين.