خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
١٧
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٨
-النحل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

في هذه الآية ردّ على عباد الاصنام والاوثان بأن يقال: أفمن يخلق ما تقدم ذكره من السموات والارض والشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من أنواع العجائب، كمن لا يخلق ذلك من الاصنام التي هي جمادات، فكيف توجه العبادة اليها، ويسوّى بينها، وبين خالق جميع ذلك { أفلا يتفكرون } في ذلك ويعتبرون به، فان ذلك من الخطأ الفاحش. وجعل (من) فيما لا يعقل لما اتصلت بذكر الخالق.
ويتعلق بهذه الآية المجبرة، فقالوا: أعلمنا الله تعالى ان احداً لا يخلق، لانه خلاف الخالق، وانه لو كان خالق غيره لوجب ان يكون مثله، ونظيره.
وهذا باطل، لان الخلق في حقيقة اللغة هو التقدير والاتقان في الصنعة وفعل الشيء لا على وجه السهو والمجازفة بدلالة قوله
{ وتخلقون إِفكاً } وقوله { { وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير } وقوله { { أحسن الخالقين } كما لا يجوز أنه اعظم الآلهة لما لم يستحق الآلهية غيره، وقال زهير:

ولأنت تفري ما خلقت وبعــ ــض القوم يخلق ثم لا يفري

وقال الججاج: لا أعد إِلا وفيت ولا أخلق إِلا فريت
وقال الشاعر:

ولا يئط بأيدي الخالقين ولا أيدى الخوالق الاجبد الأدم

فعلمنا بذلك جواز تسمية غيره بأنه خالق إِلا انّا لا نطلق هذه الصفة إِلا لله تعالى، لان ذلك توهم، فاذا ثبت ذلك فالوجه في الآية ما قدمنا ذكره من الرد على عباد الاصنام والجمادات التي لا تقدر على ضرر ولا نفع ولا خلق شيء ولا استطاعة لها على فعل، وان من سوّى بينها وبين من خلق ما تقدم ذكره من أنواع النعم وأشرك بينهما في العبادة، كان جاهلاً بعيداً عن الصواب عادلاً عن طريق الهدى. ويقوي ذلك انه قال عقيب هذه الآية { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أموات غير أحياء } فعلمنا انه أراد بذلك ما قدمنا من اسقاط رأيهم وتسويتهم بين الجماد والحي والفاعل ومن ليس بفاعل، وهذا واضح.
وقوله { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } قال الحسن: لا تحصوها بأداء حقها وتعظيمها. وقال الجبائي: لا تحصوها مفصلة لكثرتها وإِن صح منكم احصاؤها على وجه الجملة.