خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ
٥٣
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
٥٤
لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
٥٥
-النحل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى لخلقه إِن جميع النعم التي تكون بكم ولكم، من صحة في جسم وسعة في رزق او ولد، فكل ذلك من عند الله، ومن جهته وبخلقه لها وبتمكينكم من الانتفاع بها. والفاء في قوله { فمن الله } قيل في معناه قولان:
احدهما - ان تكون (ما) بمعنى الذي، وفيه شبه الجزاء، كما قال تعالى
{ قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } ويقول القائل: مالك هو لي ولا يجوز ان يقول مالك فهو لي، لانه خبر ليس على طريق الجزاء.
والقول الثاني - على حذف الجزاء، وتقديره ما يكن بكم من نعمة فمن الله.
وقوله { ثم إِذا مسكم الضرّ فإِليه تجأرون } معناه متى ما لحقكم ضر وبلاء، وألم، وسوء حال، تضرعون اليه تعالى بالدعاء، وهو قول مجاهد. وأصل ذلك من جؤار الثور، يقال: جأر الثور يجأر جؤاراً إِذا رفع صوته، من جوع او غيره قال الاعشى:

وما أيْبليٌّ على هيكل بناه وصلَّب فيه وصارا
يراوح من صلوات المليـــ ـــك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا

وقال عدي بن زيد:

انني والله فاقبل حلفتي بابيل كلما صلّى جأر

وقوله { ثم إِذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون } اخبار منه تعالى انه اذا كشف ضرّ من يجأر اليه ويخضع له، ويرفع البلاء عنه، يصير - طائفة من الناس - يشركون بربهم في العبادة جهلا منهم بربهم، ومقابلة للنعمة التي هي كشف الضر بمعصية الشرك. وهذا غاية الجهل. وقوله { ليكفروا بما آتيناهم } اي ليكفروا بآيات إِنعمِنا عليهم، ورزقنا إِياهم، فمعنى اللام في { ليكفروا } هو البيان عما هو بمنزلة العلة التي يقع لاجلها الفعل، لانهم بمنزلة من اشركوا في العبادة ليكفروا بما أوتوا من النعمة، كأنه لا غرض لهم في شركهم إِلا هذا، مع ان شركهم في العبادة يوجب كفر النعمة بتضييع حقها، فالواجب في هذا ترك الكفر الى الشكر لله تعالى.
وقوله { فتمتعوا فسوف تعلمون } تهديد منه تعالى، لان المعنى تمتعوا بما فيه معصية له تعالى، فسوف تعلمون عاقبة امركم من العقاب الذي ينزل بكم، وحذف لدلالة الكلام عليه، وهو ابلغ.