خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ
٦٨
ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٦٩
-النحل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرىء { يعرشون } بضم الراء وكسرها، وهما لغتان ومعناه: وما يبنونه من السقوف. وقال ابن زيد: يعني الكروم، قال ابن عباس ومجاهد: يعني { وأوحى ربك إلى النحل } ألهمها الهاماً، وقال الحسن: جعل ذلك في غرائزها اي ما يخفى مثله عن غيرها، وذلك ايحاء في اللغة. وقال ابو عبيد: (الوحي) على وجوه في كلام العرب: منها وحي النبوة، ومنها الإلهام، ومنها الإِشارة، ومنها الكتاب، ومنها الأسرار:
فالوحي في النبوة ما يوحي الله إِلى الانبياء، كقوله
{ إِلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإِذنه
} والوحي بمعنى الإلهام، قوله { وأوحى ربك إلى النحل } وقوله { وأوحينا إلى أم موسى } وفي الارض { بأن ربك أوحى لها } } ووحي الاشارة كقوله { فأوحى إليهم أن سبحوا } قال مجاهد: اشار اليهم، وقال الضحاك: كتب لهم.
واصل الوحي عند العرب هو إِلقاء الانسان إِلى صاحبه ثيابا للاستتار والاخفاء.
ووحي الاسرار مثل قوله
{ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } فاما ما روي عن ابن عباس انه قال: لا وحي إِلاّ القرآن اراد ان القرآن هو الوحي الذي نزل به جبرائيل على محمد صلى الله عليه وسلم، دون ان يكون انكر ما قلناه. ويقال: أوحى له وأوحى اليه قال العجاج:

أوحى لها القرار فاستقرت

قال المبرد: ما روي عن ابن عباس إِنما قاله لما سئل عما كان وضعه المختار وسماه الوحي، فقال ابن عباس: لا وحي إِلا القرآن جواباً عما أحدثه المختار وادعى تنزيله اليه.
وواحد { النحل } نحلة، والمعنى ان الله تعالى ألهم النحل اتخاذ المنازل والادكار، والبيوت في الجبال، وفي الشجر وغير ذلك { ومما يعرشون } يعني سقوف البيوت { ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً } معناه انه تعالى ألهمها ايضاً أن تأكل من الثمرات وسائر الاشجار التي تحويها؛ والذلل جمع ذلول، وهي الطرق الموطأة للسلوك. وقيل: طرق لا يتوعّر عليها سلوكها عن مجاهد. وقال قتادة: معنى { ذللاً } اي مطيعة، ويكون من صفة النحل. وقال غيره: هو من صفات الطريق ومعنى { ذللاً } إنه قد ذللها لك وسهل عليك سلوكها وفي ذلك اعظم العبر واظهر الدلالة على توحيده تعالى وأنه لا يقدر عليه سواه.
ثم قال { يخرج من بطونها } يعني بطون النحل { شراب مختلف ألوانه } من أصفر وأبيض وأحمر، مع أنها تأكل الحامض والمر فيحيله الله عسلاً حلواً لذيذاً { فيه شفاء للناس } لما شفائها فيه، واكثر المفسرين على ان (الهاء) راجعة إِلى العسل، وهو الشراب الذي ذكره، وأن فيه شفاء من كثير من الأمراض، وفيه منافع جمة. وقال مجاهد (الهاء) راجعة إِلى القرآن { وفيه شفاء للناس }، لما فيه من بيان الحلال، والحرام، والفتيا، والأحكام، والأول أوثق.
ثم اخبر تعالى ان فيما ذكره آيات واضحات، ودلالات بينات، لمن يتفكر فيه ويهتدي بهديه، وانما قال { من بطونها } وهو خارج من فيها، لان العسل يخلقه الله في بطون النحل ويخرجه إِلى فيه. ثم يخرجه من فيه، ولو قال: من فيها لظن أنها تلقيه من فيها، وليس بخارج من البطن.